كم هي صعبة هذه الأيام التي تمر بها الساحة الفنية العربية، حيث تخيم عليها ظلال الوجع والألم والفقدان، كأن الموت يأبى إلا وأن يتخير قامات الإبداع ليخطفها في حدود هذه الساحة، فقبل أيام بدأت القصة بسوريا التي شيعت أخيراً المخرج حاتم علي إلى مثواه الأخير، ومن ثم مرت على مصر حيث خطف الموت منها الكاتب وحيد حامد، ليترك السينما العربية يتيمة، وها هو يخطف في لبنان الموسيقار إلياس الرحباني مسقطاً ورقة ندية من غصون شجرة الرحابنة المثمرة بالموسيقى والأغنيات، ليضيف اسمه لدفتر مبدعي العرب الذين ترجلوا بعد رحلة عطاء طويلة.
أيقونة
جسد إلياس الرحباني، لم يقوَ على محاربة فيروس كورونا، الذي أصابه منذ أسبوع، ليسلم روحه لباريها عن 83 عاماً، بعد رحلة معاناة مع المرض، لتفقد الموسيقى العربية بذلك أحد أوتارها، بينما تبكيه الساحة الفنية، وزملاء له، وجمهور اعتاد الاستماع لفيروز وهي تشدو بـ«طير الوروار» التي استوقفت ولا تزال الجميع، وكذلك «كان عنّا طاحون»، وأيضاً «يا بو مرعي» التي جمعت وديع الصافي وجورجيت صايغ.
قبل 7 سنوات، وتحديداً في أبريل 2014، كانت دبي على موعد مع الراحل إلياس الرحباني، آنذاك عاش جمهوره سحر الأوبرا الإيطالية، واكتشفوا معه جمال الموسيقى العربية، حينها قدم إلياس أيقونته «أنت حبي يا دبي» التي أهداها إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ووصف فيها جمال دبي التي أطلق عليها «الساحرة الجميلة»، في حفلته آنذاك حيا الرحباني «دانة الدنيا» بقوله «مساء الخير يا دبي.. يا واحة الفرح والأحلام».
تاريخ
رحيل إلياس لم يكن هيناً، فمعه فقد تاريخ لبنان إحدى قطعه، وهو الذي شكل مع أخويه الراحلين منصور وعاصي الرحباني وفيروز، الجيل الذهبي للمسرح والموسيقى والفن في لبنان، ومع رحيله، تفقد الساحة العربية عبقرية موسيقية، وضحكة ساحرة طالما تميز بها إلياس، الذي برع في التأليف والتلحين والإنتاج الموسيقي، والذي كان أكثر إخوته إنتاجاً، حيث ألف أكثر من 800 مقطوعة موسيقية، زين بها المكتبة الموسيقية العربية، عبقرية إلياس الموسيقية لم تتوقف عند حدود الأغنية، وإنما اشتغل في تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام والمسرحيات، فلا تزال مشاهد فيلم «دمي ودموعي وابتسامتي» للمخرج حسين كمال، شاهدة على عبقريته، وكذلك أفلام «حبيبتي» و«أجمل أيام حياتي»، ومسلسل «عازف الليل»، إلى جانب نحو 20 عملاً سينمائياً ودرامياً مصرياً وعربياً.
«رحل الآن كبير من بلادي، وأخذ معه أجمل حقبة موسيقية في تاريخ الأغنية اللبناني»، هكذا علقت الفنانة كارول سماحة على رحيل إلياس الرحباني، الذي آثرت أن تودعه على طريقتها الخاصة، بينما كتبت فيروز عبر تويتر: «وداعاً الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، الشقيق الأصغر للأخوين عاصي ومنصور، ملحن وكاتب العديد من أغاني فيروز». أما راغب علامة فرثاه قائلاً: «الرحمة لروحك الحلوة.. برحيلك.. رحلت قطعة رومانسية كبيرة من بلدنا الجريح، وراحت الكثير من الأغاني التي تزرع الفرحة والراحة والحب، وراح عمود من أعمدة بعلبك، وراحت الروح الحلوة التي تجسدت بكلماتك وجملك الموسيقية السهلة، لدرجة الصعوبة»، بينما قالت نانسي عجرم: «يوم حزين على لبنان الإنسان ولبنان الفنان، الموت يأخذ منا ناساً نحبهم، إلياس الرحباني أعمالك باقية معنا، وغيابك سيترك فراغاً كبيراً».