لم تعد تجارة الجنس بالعاصمة الاقتصادية للمملكة منحصرة لدى "العاملات المغربيات"، وإنما بات العالم الليلي يعج بالمهاجرات الإفريقيات اللائي وضعن بصمتهن على خارطة الدعارة بالمغرب بشكل أعم، بحيث ظهرت سوق جديدة يصطلح عليها سكان الدار البيضاء "سوق الجنس الأسود"، تتحكم في مفاصلها المهاجرات اللائي يتحدرن من دول إفريقية جنوب الصحراء الكبرى، بعدما فتحن أروقة العرض أمام الزبناء المغاربة والسياح الأجانب معا.
وظهرت، خلال السنوات الأخيرة، العديد من الشبكات المتخصصة في "الدعارة الجنسية الإفريقية"، في المدن الكبرى للمملكة، مستغلة بذلك اتساع مجال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث صار "فيسبوك" منصة جديدة لتسويق الخدمات الجنسية "ذات نكهة من دول العمق الإفريقي".
ولم يعد المغرب محطة عبور بالنسبة إلى آلاف المهاجرات الإفريقيات؛ لكنه تحول إلى بلد للاستقبال بفعل تشديد إجراءات الهجرة السرية من قبل مفوضية الاتحاد الأوروبي، بعدما هربن من المجاعة وأتون الحرب الأهلية في القارة السمراء، اعتقادا منهن أن السفر إلى المملكة يمكن أن يساعدهن على الوصول إلى "الإلدورادو الأوروبي"، ومن ثمة أجبرهن الواقع اليومي الموسوم بالهشاشة الاجتماعية على البحث عن قوتهن اليومي.
أمام هذا الوضع القاسي، لم تجد أغلب المهاجرات بدا من امتهان الدعارة في المدن الساحلية، من قبيل الدار البيضاء والرباط وأكادير وطنجة، وغيرها، خاصة أن شريحة من المغاربة تقبل على "الجنس الرخيص"؛ الأمر الذي ساعدهن على التوسع أكثر فأكثر في سوق يحكمها منطق العرض والطلب، على الرغم من الخطر المحفوف بهذه المهنة بشهادتهن، إذ سبق أن تعرضن للاغتصاب وسوء المعاملة.
وأصبح العالم الافتراضي الوجهة الأولى لأي عاملة جنس، حيث ظهرت مجموعة من التطبيقات الإلكترونية الجديدة التي تستقطب "الزبناء"؛ فضلا عن وجود العديد من المواقع الإلكترونية المتخصصة في البحث عن ممتهنات الدعارة، وذلك بأدق التفاصيل التي يمكن تخيلها؛ مثل الطول والوزن ولون الشعر وغيرها من المميزات.
المثير في الموضوع، وفق ما أفادت به بعض الجمعيات التي تشتغل في ميدان محاربة" السيدا"، هو أن عشرات مراكز التدليك المنتشرة في الدار البيضاء باتت "مجرد واجهة لممارسة الدعارة المقنعة بالأنشطة المشروعة"، إذ "تتراوح أسعار عمليات الجنس داخل بعض المراكز بين 200 و1000 درهم، وتبلغ أثمنة التدليك المنزلي إلى 1500 درهم"، وفق المصادر نفسها.
وصارت منطقة "درب عمر" بالدار البيضاء، التي حازت لقب "تايلاند درب عمر" منذ سنوات مضت، فضاء لانتشار الدعارة الرخيصة التي استوطنت في الحانات الشعبية؛ ذلك أن بعض قنينات الجعة تكفي لتسديد أجر "الخدمة الجنسية السريعة".
وفي الوقت الذي تختار عشرات الوافدات من جنوب الصحراء "منزل الزبون" لممارسة الجنس، تعرض فئة أخرى خدماتها بتكاليف أقل داخل شقق خاصة تنتشر بشكل مكثف في أحياء "الألفة" و"سيدي معروف" و"الرحمة" بمدينة الدار البيضاء، بينما توجد فئة ثالثة تقبل على الحدائق المغلقة، أو الأماكن المظلمة أو المدارات الطرقية فضاء، والصنف الأخير الأرصفة العمومية في شوارع عدة، على رأسها شوارع "لالة الياقوت" و"الجيش الملكي" و"محمد الخامس" و"ساحة الأمم المتحدة"، بل حتى شارع "أنفا" القلب النابض للعاصمة الاقتصادية لم يسلم من تجارة الجنس الرخيص.
وتتسم "دعارة المهاجرات الإفريقيات"، بدورها، في انتشار الأمراض المتنقلة جنسيا، إذ لا تعرف الجمعيات العاملة في مكافحة هذا النوع من العدوى عدد حالات الإصابة وسط الشريحة المذكورة، ومن ثمة تتزايد هذه الأوبئة يوما بعد يوم في ظل "التطبيع: مع هذه الظاهرة التي من شأنها أن تتسبب في كارثة صحية، باستثناء بعض احملات التفتيش المعزولة التي تقوم بها السلطات وتستهدف "شقق الجنس" في بعض الأحياء الشعبية.