هناك تناغم إخواني بين حركة النهضة ونزعة أردوغان الإخوانية في ظل صمت غربي هو الحجة الدامغة التي تثبت تورط قوى غربية في المشاريع التي تبدو من الخارج كما لو أنها مجرد اختبارات قوة يطلقها أردوغان بسبب رعونته السياسية.*
ما كان خفيّا بالأمس صار معلنا اليوم. ذلك ما يمكن تلخيصه بجملة واحدة “أردوغان هو الأب الروحي لداعش”.
و”داعش” هنا ليس سوى تنظيم من مجموعة التنظيمات الإرهابية التي رعتها تركيا الأردوغانية عبر سنوات الحرب السورية.
تلك ليست فرضية، أو بالأحرى لم تعد كذلك. فتركيا اليوم وهي تعد نفسها للتدخل في الصراع الليبي، مهدت لذلك بتجنيد سوريين للقتال في طرابلس ضد الجيش الليبي دفاعا عن حكم الميليشيات الإخوانية.
عرضت تركيا على السوريين الراغبين في الانخراط في تلك الحرب جنسيتها إضافة إلى رواتب شهرية تصل إلى 2000 دولار.
ذلك يعني أن تركيا قامت بتأسيس ميليشيا إرهابية على غرار تلك الميليشيات التي زجت بها في الحرب السورية لكنها تفعل ذلك هذه المرة علنا، من غير أن تحتاج إلى غطاء إقليمي أو دولي.
وكما يبدو، فإن الوقت لا يسمح بالإخفاء.
فعجلة الأحداث تدور لمصلحة الجيش الليبي، وإذا لم تتدخل تركيا التي لا تمثل نفسها بالتأكيد فإن حكومة الوفاق ساقطة لا محالة.
ولم يكن الاتفاق التركي ــ الليبي إلا غطاء، مجرد غطاء للتعبئة الأردوغانية التي تتناغم مع رغبة طرفين في أن لا تسقط حكومة الميليشيات في طرابلس وأن لا يُحسم الصراع في ليبيا لمصلحة الجيش الليبي.
الطرف الأول هو جماعة الإخوان المسلمين التي يعتبر أردوغان أحد أهم رموزها الحية في هذا الزمن العصيب الذي تمر فيه، والطرف الثاني يتمثل بالقوى العالمية التي دأبت على دعم حكومة الوفاق رغم علمها أن هذه الحكومة تستظل بحكم ميليشيات إرهابية.
إذاً، جاء تدخل أردوغان في الوقت المناسب للطرفين.
ذلك ما يثبت صواب نظرية تفيد بأن التنظيمات الإرهابية التي قاتلت في سوريا والعراق وفي مقدمها تنظيم داعش هي من اختراع أجهزة المخابرات التركية مدعومة بخبرة أجهزة المخابرات الغربية والمال القطري.
لذلك يمكن توقع أن السوريين الذين أشير إلى تجنيدهم في التنظيم الإرهابي الجديد، ما هم إلا بقايا مقاتلي التنظيمات الإرهابية التي سبق أن قاتلت في العراق وسوريا.
لقد تحفظت تركيا على أولئك المجرمين الهاربين من الموت بعد هزيمتهم في معسكرات مغلقة وها هي تعيد اليوم تصديرهم إلى مكان، سيكون وجودهم فيه موضع ترحيب غربي صامت.
وكعادته فإن أردوغان باع أولئك الإرهابيين وقبض الثمن، وهو ما يناسب موقفه الإخواني القاضي بدعم الفوضى والعمل لاستمرارها في العالم العربي.
ما يثبت تلك النظرية أن تونس، وهي بلد استضعفته حركة النهضة الإخوانية، بادرت إلى استقبال أردوغان ورحّبت بعروضه التي اعتبرت سخية على المستوى الاقتصادي وكان المقابل واضحا.
إن حركة النهضة تمني نفسها بازدهار اقتصادي يكون أساسه قبول تونس أن تكون ممرا لإرهابيي تركيا للعبور إلى ليبيا.
هناك تناغم إخواني بين حركة النهضة ونزعة أردوغان الإخوانية في ظل صمت غربي هو الحجة الدامغة التي تثبت تورط قوى غربية في المشاريع التي تبدو من الخارج كما لو أنها مجرد اختبارات قوة يطلقها أردوغان بسبب رعونته السياسية.
ما يجري هو عمليا إعادة تصدير للإرهاب بعد تعليبه مرة أخرى ليبدو كأنه إنتاج جديد. ويكون أردوغان صاحب الامتياز المعلن هذه المرة.
هي صفقة أردوغانية سيقبض الرئيس التركي ثمنها أموالا وأشياء أخرى.
تلك الأشياء الأخرى هي ما يأمل الرئيس التركي أن يستعيد من خلالها الجزء الذي فقده من شعبيته داخل تركيا.
يفكر أردوغان بغزو الأتراك من الخارج الذي يعيد تلميع شخصيته.
إنه بطل عابر للبحار والقارات. ذلك هو جل ما ينتظره الأب الروحي للإرهاب في العالم العربي.
فاروق يوسف
كاتب عراقي