الصفحة 1 من 4
أردوغان لم يهتم كثيرا لأمر البلد الغارق في الفوضى، ما يهمّه هو الحفاظ على حكم الإسلاميين، وعرض خدماته لإرسال مرتزقته للدفاع عن آخر المعاقل الإسلامية.
لم يكترث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأيّ دعوة وجهت إليه لوقف نزيف الدماء في الشمال السوري، ويبدو أنه لا يعير أيّ اهتمام لأيّ نداء بعدم إرسال مرتزقته للقتال إلى جانب الميليشيات المسلحة في طرابلس الليبية. الرئيس التركي لم يرض بعد غروره السلطوي وتطلعه لبناء إمبراطوريته، مستعينا بأدوات داخلية عربية لا تزال تراهن على “أمجاد الدولة العثمانية” الغابرة وتحن إلى الاستعمار الذي لا ينتهي إلا بـ”الخوازيق”.
يتحرك أردوغان على أكثر من جبهة في سبيل غاية واحدة وهي إنقاذ ما يمكن إنقاذه من معاقل تيار الإسلام السياسي الذي خسر الكثير في البلدان العربية خلال السنوات الثماني الأخيرة. الرئيس التركي يعدّ اليوم “رمزا” للإسلام السياسي السني، وهو يدرك جيدا أن خسارة الحركات والفصائل والأذرع المختلفة للأرض تمثل انتكاسة حتمية لمشروع “الخلافة” والإمبراطورية الإسلامية التي يخطط لإعادة تأسيسها وفقا لرؤية إخوانية خالصة.
لم تكن ليبيا سوى قاعدة أساسية وجد فيها الإسلاميون ملجأ بعد الضربات المتتالية التي تلقوها في أكثر من مكان. فبعد هزيمة مشروعهم في مصر عام 2013 ثم تحييد غزة (التهدئة مع إسرائيل) وخسارة السودان (سقوط نظام عمر حسن البشير) وتراجع دور الإسلاميين في سوريا، أجبر الرئيس التركي اليوم على القتال بنفسه للدفاع عن آخر معاقل الإسلام السياسي.
لا يخلو التدخل التركي في ليبيا من دوافع أيديولوجية بحتة، فالأمر يشبه إلى حد بعيد ما جرى في الشمال السوري ويجري حاليا في إدلب تحديدا. فطرابلس وإدلب مدينتان تمثلان أهم المعاقل العسكرية الأساسية التي لا تزال فعّالة ونشطة لخدمة مشروع تيار الإسلام السياسي السني في المنطقة وتعد خسارتهما انتكاسة كبرى للحركات الإسلامية والجماعات المتطرفة.
فأردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية والمعروف بتقلباته السياسية ومزاجيته المتهورة يعمل على استغلال حالة التشتت الحاصلة في سياسات الولايات المتحدة وابتعادها الكبير عن المنطقة من أجل إعادة الروح لمشروع أثبت فشله في المنطقة بعد تجربة ما يعرف بـ”ثورات الربيع العربي”، التي أنهكت البلدان العربية بالحروب والفوضى ودفعت بها للاستقواء بالخارج.
والرئيس التركي يستسيغ اللعب على التناقضات بين الولايات المتحدة وروسيا ويحاول الآن “البيع والشراء” في ليبيا لهدف واضح عماده الحفاظ على مشروع جماعة الإخوان المسلمين والذي تمثّل “حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا” واجهته المعلنة.