الصفحة 2 من 4
إدامة الفوضى
بعد أشهر قليلة من اندلاع ثورة فبراير العام 2011 كانت هناك مخاوف غربية من أصحاب اللحى الذين يقاتلون إلى جانب الثوار في معركتهم ضد نظام العقيد معمر القذافي، لكن سرعان ما عملت الدوحة عبر ذراعها الإعلامية قناة الجزيرة على التقليل من مخاطر هؤلاء على مشروع التغيير في ليبيا. فبعد هذه السنوات عرف العالم حقيقة هؤلاء المقاتلين ولحساب من يعملون.
في ليبيا اليوم، هناك جيش وطني يسعى جاهدا لاستعادة الدولة، حسب ما أكد قادته في أكثر من مناسبة، وفي الجانب الآخر هناك ميليشيات مسلحة إسلامية تعمل على الإبقاء على حالة الفوضى التي سادت منذ العام 2011 إلى ما لانهاية.
البلد يعج بالثروات الطبيعية. النفط والغاز هما الأساسيان في معركة السيطرة على ليبيا. الميليشيات مستفيدة بشكل أساسي من عائدات النفط، وهناك تقارير دولية تشير إلى أن شركات قطرية تركية تعمل على “سرقة” هذا النفط تحت أعين الميليشيات. تلك الميليشيات تدعم تحركاتها ونفوذها عن طريق تهريب الذهب الأسود دون حسيب ولا رقيب من حكومة ضعيفة في طرابلس.
منذ فبراير 2011 كانت ليبيا مسرحا لحرب السيطرة على آبار النفط. الجميع تدخل من أجل الفوز بنصيب من كعكة الحرب لصالحه. كان الهدف المعلن لقوى أجنبية هو حماية الشعب الليبي من بطش نظام القذافي، لكن ما اكتشفه الناس هناك أن الشركات الأجنبية تسابقت على أخذ نصيبها من النفط بأثمان بخسة. فتركيا وقطر، اللتان استعانتا – بعد فتوى مفتي الإخوان يوسف القرضاوي – بحلف شمال الأطلسي (الناتو) للتسريع في إسقاط نظام القذافي، كانتا أكثر دولتين حرصا على تنفيذ المخطط حيث قايضتا دولا غربية بنفط ليبيا مقابل تثبيت حكم الميليشيات. كان هناك مخطط متكامل عملت عليه الدوحة وأنقرة لغايات أيديولوجية وحسابات سياسية لها علاقة بتثبيت حكم الإسلاميين وإدامة الفوضى في البلد.
بعد نحو ثماني سنوات من حكم الميليشيات، وجد قادة تيار الإسلام السياسي أنهم يخسرون معقلا مهمّا مع تقدم الجيش الليبي لإنهاء سطوة الميليشيات وإعادة بناء الدولة وفقا لمقاييس مدنية بعيدة عن حسابات أنقرة والدوحة. التقدم الميداني وخسارة معقل مهم أجبر الرئيس التركي على البحث عن أيّ وسيلة تمنع سقوط طرابلس بأيدي الجيش.
لم يكن أردوغان يهتم كثيرا لأمر البلد الغارق في الفوضى، ما يهمّه هو الحفاظ على حكم الإسلاميين، إذ لا يريد تقديم مساعدة لبسط الأمن والاستقرار ولفظ كل الجماعات المتطرفة، بل هو يعرض خدماته لإرسال مرتزقته للدفاع عن آخر المعاقل الإسلامية.