الهجوم الإيراني على عين الأسد يؤجل الانسحاب الأميركي من العراق.
بغداد - كشفت تقارير استخبارية غربية أن إيران تعمدت عدم إلحاق أي خسائر بصفوف الأميركيين خلال استهداف قاعدتين عسكريتين عراقيتين الليلة قبل الماضية، في وقت ألمح فيه رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي إلى إمكانية التراجع عن خطة إخراج القوات الأجنبية من البلاد.
وقالت مصادر حكومية أميركية وأوروبية مطلعة على تقديرات المخابرات إن من المعتقد أن إيران سعت عمدا إلى تجنب وقوع أي خسائر في صفوف الجنود الأميركيين خلال قصفها الصاروخي لقواعد تستضيف القوات الأميركية في العراق ردا على قتل أميركا سليماني.
وأضافت المصادر التي تحدثت مشترطة عدم الكشف عن هويتها أن من المعتقد أن الإيرانيين تعمدوا أن تخطئ الهجمات القوات الأميركية للحيلولة دون خروج الأزمة عن نطاق السيطرة مع توجيه رسالة عن قوة العزم لدى إيران.
وقال مصدر في واشنطن خلال الليلة قبل الماضية إن الدلائل الأولية تشير إلى عدم وقوع إصابات في صفوف الأميركيين في حين أحجم مسؤولون أميركيون آخرون عن التعليق.
وبدا أن رئيس الوزراء العراقي المستقيل على علم مسبق بالهجوم الصاروخي الإيراني الذي وقع عقب ساعات قليلة من حديثه في جلسة لمجلس الوزراء العراقي يوم الثلاثاء، أقر خلالها باستحالة “المضي في مشروع إخراج القوات الأجنبية دون موافقة بقية المكونات”، حيث صوت نواب المكون الشيعي فقط على قرار في هذا الشأن، رفضه السنة والأكراد.
طهران تستثمر التوتر مع واشنطن للإبقاء على عادل عبدالمهدي في رئاسة الحكومة
وبرغم أن المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي قال إن الرد الأكبر على مقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، بغارة أميركية في بغداد، هو إخراج قوات الولايات المتحدة من العراق، إلا أن انسحاب الجيش الأميركي من هذا البلد يبدو مستبعدا في ظل المتغيرات الأخيرة.
لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال إن الهجوم لم يفض إلى أي خسائر بشرية أميركية، ملوحا بتشديد العقوبات على إيران.
وقال مراقبون إن الهجوم الإيراني على القواعد التي تستضيف قوات أجنبية، ربما يغطي على جهود الأحزاب الشيعية الموالية لطهران التي تدفع الحكومة نحو إخراج القوات الأميركية.
وتحدثت مصادر عراقية مطلعة عن وساطة قطرية بين طهران وواشنطن، لتنظيم عملية الرد الإيراني على اغتيال سليماني، مشيرة إلى أن “الدوحة، ربما أوصلت معلومات إيرانية إلى الجانب الأميركي تتعلق بمواقع ستستهدفها الصواريخ مساء الثلاثاء وفجر الأربعاء في العراق”.
وقال وزير خارجية قطر الأربعاء إن بلاده تتابع عن كثب مستجدات الأحداث في العراق وتسعى للتنسيق مع الدول الصديقة لخفض التصعيد.
وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في تغريدة على تويتر “نسعى عبر سلسلة من الاتصالات للتشاور والتنسيق مع الدول الصديقة والشقيقة للتهدئة وخفض التصعيد”.
لكن ساسة عراقيين ذهبوا إلى أن استهداف قاعدتين عسكريتين تستضيفان قوات أجنبية، واحدة سنية (الأنبار) والثانية كردية (أربيل) بصواريخ إيرانية، لا يمثل ردا عسكريا على مقتل سليماني فحسب، بل ردا سياسيا ضد السنة والأكراد الذين قاطعوا جلسة البرلمان للتصويت على إخراج القوات الأميركية.
ورفض السنة والكرد علنا التصويت لمقترح القرار الشيعي بإخراج القوات الأميركية من العراق، فيما ألمح ساسة في المكونين إلى أن مناطقهم لا تمانع الوجود العسكري الأميركي.
ويعتقد مراقبون أن هذا الخلاف ربما يشجع خطط إنشاء أقاليم جديدة في العراق، أو حتى التقسيم.
وأعرب إقليم كردستان الأربعاء، عن “قلقه البالغ إزاء التطورات الأخيرة التي شهدها العراق والمنطقة”، داعيا إلى إبعاده عن أي صراعات.
وانتهى اجتماع رئيس الإقليم نيجرفان البارزاني مع رئيس الحكومة مسرور البارزاني ورئيس برلمان المنطقة الكردية ريواز فائق، إلى أن “اتباع السبل العسكرية لن يسهم في معالجة المشاكل بأي شكل من الأشكال”.
وجدد القادة الأكراد الدعم لـ”التحالف الدولي في الإقليم والعراق واستمراره في التصدي للإرهاب”.
وربما تجنح إيران نحو طلب ثمن سياسي لرأس جنرالها سليماني، الذي كان من الواضح أن عملية الثأر لروحه لم تتسبب في مقتل أي أميركي، برغم أنها اشتملت على 22 صاروخا أطلقها الحرس الثوري على 3 أهداف عراقية.
وتقول مصادر إن الثمن الأفضل الذي تعمل من أجله إيران حاليا، هو الإبقاء على عبدالمهدي في منصب رئيس الحكومة أطول مدة ممكنة، برغم استقالته وحكومته من أسابيع.
وسعى عبدالمهدي إلى تحقيق أقصى قدر من التناغم مع الخطط الإيرانية في العراق، بشكل علني، منذ استقالته، وتحول حكومته إلى تصريف الأعمال.
ومن وجهة نظر إيرانية، فإن عبدالمهدي هو أفضل من يحافظ على المصالح الإيرانية في لحظة تشهد ذروة المواجهة بين واشنطن وطهران.
وسيضمن بقاء عبدالمهدي استيلاد حكومة وبرلمان جديدين، يواليان إيران، بعدما كادت الاحتجاجات الشعبية الواسعة، المستمرة للشهر الرابع على التوالي، أن تطيح بالطبقة السياسية الموالية لطهران برمتها.
وطالب مدونون البرلمان العراقي بعقد اجتماع طارئ للرد على الانتهاك الإيراني للسيادة، على غرار موقفه من الولايات المتحدة إثر مقتل سليماني، حيث ألزم الحكومة بإخراج القوات الأميركية من البلاد.
لكن الموقف الرسمي الأول جاء من الناطق العسكري باسم عبدالمهدي، الذي أقر بأن العراق تلقى “بعد منتصف الليل بقليل من يوم الأربعاء رسالة شفوية رسمية من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران بأن الرد الإيراني على اغتيال قاسم سليماني قد بدأ أو سيبدأ بعد قليل”، مشيرا إلى أن “الضربة ستقتصر على أماكن تواجد الجيش الأميركي في العراق دون أن تحدد مواقعها”.
وأضاف “في نفس الوقت بالضبط اتصل بنا الجانب الأميركي وكانت الصواريخ تتساقط على الجناح الخاص بالقوات الأميركية في قاعدتي عين الأسد في الأنبار وحرير في أربيل وفي مواقع أخرى.. بالطبع كنا قد أنذرنا فور تلقينا خبر الهجوم القيادات العسكرية العراقية لاتخاذ الاحتياطات اللازمة”.
وتابع “لم تردنا إلى حد اللحظة أي خسائر بشرية لدى الجانب العراقي ولم تردنا رسميا الخسائر في جانب قوات التحالف”، مشيرا إلى أن عبدالمهدي “يتابع التطورات منذ بدء الهجوم ويجري الاتصالات الداخلية والخارجية اللازمة في محاولة لاحتواء الموقف وعدم الدخول في حرب مفتوحة سيكون العراق والمنطقة من أول ضحاياها”.
وأكد المتحدث العسكري أن “العراق إذ يرفض أي انتهاك لسيادته والاعتداء على أراضيه فإن الحكومة مستمرة بمحاولاتها الجاهدة لمنع التصعيد واحترام الجميع لسيادة العراق وعدم التجاوز عليها وعدم تعريض ابنائه للخطر”، داعيا إلى “ضبط النفس وتغليب لغة العقل والتقيد بالمواثيق الدولية واحترام الدولة العراقية وقرارات حكومتها ومساعدتها على احتواء وتجاوز هذه الأزمة الخطيرة التي تهددها والمنطقة والعالم بحرب مدمرة شاملة”.