وقف المساعدة الأميركية يختبر حدود قدرات تركيا العسكرية والمخابراتية.
أنقرة - تقود التحركات غير المدروسة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسعيه لفرض رؤيته على المنطقة متجاهلا التوازنات الدولية في اتجاه خسارته للولايات المتحدة وروسيا، ما سيعمق مشاكله في عدة ملفات وخاصة الملفين السوري والليبي.
وبالتزامن مع التوتر التركي الروسي المتصاعد على وقع تقدم الجيش السوري في إدلب، تسربت أنباء بشأن إيقاف الولايات المتحدة برنامجا سريا للتعاون في مجال المخابرات العسكرية مع تركيا بسبب سوريا.
وقال أربعة مسؤولين أميركيين لرويترز إن الولايات المتحدة أوقفت برنامجا سريا للتعاون في مجال المخابرات العسكرية مع تركيا بعد أن ساعد أنقرة لسنوات على استهداف مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
وأضاف المسؤولون إن القرار الأميركي بتعليق البرنامج إلى أجل غير مسمى اتُّخذ ردا على توغل تركيا العسكري عبر الحدود في سوريا في أكتوبر، مما يكشف عن حجم الضرر الذي لحق بالعلاقات بين الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي بسبب هذا التوغل.
وكان الجيش الأميركي ينفذ المهام بطائرات مسيرة غير مسلحة قال أحد المسؤولين إنها كانت تنطلق من قاعدة إنجرليك الجوية التركية التي بها وجود مكثّف للجيش الأميركي. والقاعدة مركز رئيسي أيضا لوكالات المخابرات الأميركية التي تعمل في المنطقة.
وقال مسؤول آخر إن رحلات الطائرات المسيرة الأميركية التي نُفذت في إطار البرنامج القائم منذ عام 2007 غالبا ما كانت تركز على مناطق جبلية في شمال العراق قرب الحدود التركية.
ويختبر وقف المساعدة الأميركية حدود القدرات العسكرية والمخابراتية لتركيا في وقت تنتشر فيه قواتها بالفعل على عدة جبهات في شمال سوريا وفي حين تدرس أنقرة زيادة تدخلها في ليبيا.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين الأربعة، متحدثا بشرط عدم نشر اسمه، “هذا يصعّب الحملة على حزب العمال الكردستاني ويجعلها مكلفة أكثر لتركيا”.
وكان وزير الخزانة الأميركي ستيف منوتشين أعلن أن الولايات المتحدة مستعدة لتعزيز الضغوط الاقتصادية على أنقرة في حال لم توافق القوات التركية على وقف هجومها في شمال سوريا.
ورفضت تركيا كل الضغوط الدولية لوقف هجومها ضد المقاتلين الأكراد في سوريا. وقال منوتشين للصحافيين إنّ “عقوبات إضافية ستأتي في حال لم يتم التأسيس لوقف إطلاق النار”.
وبالإضافة إلى مشكلة توغل تركيا في شمال شرق سوريا، هناك مسألة حصول تركيا على منظومة الصواريخ الروسية أس 400، والتي ترفضها واشنطن، وأبعدت على إثرها تركيا من برنامج مقاتلات أف – 35.
وتقول الولايات المتحدة إنها تخشى خرق معلومات تكنولوجية حساسة في حال استخدام المنظومة مع معدات غربية مثل مقاتلة أف – 35 الجديدة.
وطلبت تركيا مئة طائرة طراز أف – 35، واستثمرت صناعاتها الدفاعية مبالغ طائلة في مشروع تطويرها، حتى استبعادها من البرنامج بسبب شراء أس 400.
وكانت تركيا بدأت اختبار منظومة الدفاع الصاروخي الروسية، وفق وسائل إعلام محلية، رغم تحذيرات الولايات المتحدة المتكررة من أن ذلك قد يؤدي إلى عقوبات.
وحلقت طائرات، بينها مقاتلات أف – 16، فوق قاعدة مرتد الجوية بمحافظة أنقرة لاختبار المنظومة التي تم شراؤها مؤخرا وتدريب مشغلين أتراك، وفق وكالة الأنباء ديميرورين.
وكثيرا ما لجأ الرئيس التركي إلى روسيا لتخفيف الضغوط المفروضة عليه من الغرب، وهو المنفذ الذي لا يبدو أنه سيكون متاحا خلال الفترة القادمة على وقع تصاعد التوتر بين البلدين وخروج الخلافات إلى الواجهة من جديد.
وتكشف التطورات الأخيرة في مدينة إدلب عن أزمة متصاعدة في العلاقات بين “حليفي الضرورة” في عدة ملفات، ما ينذر بتراجع العلاقات في مجالات الطاقة والاقتصاد.
وعملت أنقرة خلال السنوات الماضية على أن تكون مدينة إدلب امتدادا طبيعيا لتحركاتها في الشمال السوري، من خلال تحويلها إلى مجمع للفصائل المعارضة للنظام السوري.
وتكبدت تركيا خسائر في قواتها العسكرية لم تكن تتوقعها، ويقول مراقبون إن الجيش السوري لم يكن ليقصف القوات التركية لولا وجود ضوء أخضر روسي. ونجح الجيش السوري في استعادة عدة مناطق استراتيجية في إدلب كان آخرها معرة النعمان، وهو يضع أحلام أردوغان في إدامة الوضع الحالي في مهب الريح.
ولم يجد أردوغان من حل لمواجهة هذا المأزق سوى إطلاق التحذيرات بإمكانية استهداف نقاط المراقبة التركية في إدلب، مطالبا قوات النظام السوري بالانسحاب من محيطها، وذلك بالموازاة مع مطالبته روسيا بتفهّم حساسيات بلاده في سوريا بشكل أفضل.
وبناء على هذه التطورات يرى مراقبون أن العلاقات التركية الروسية مقبلة على أزمة حقيقية ما لم يتقبل أردوغان الهزيمة ويخرج بقواته من إدلب مستسلما راضيا بالأمر الواقع.