مأزق الحكومة يضع حركة النهضة الإسلامية أمام خيار إرضاء قواعدها أم الأحزاب.
استنجد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بتركيا للتخفيف من حدة الضغط الذي تواجهه الحركة بسبب مأزق تشكيل الحكومة، ففي حين تصرّ قواعدها على تعيين رئيس للحكومة من داخل الحركة، تتشبّث الأحزاب المعنية بالمشاورات بالتوافق على شخصية مستقلة.
أنقرة – بعثت الزيارة التي قام بها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى تركيا ولقاؤه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برسائل للداخل وتحديدا للأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة، مفادها استقواء الحركة بحلفائها الإقليميين في المنطقة.
وفي حين قالت وسائل إعلام محلية إن زيارة الغنوشي إلى إسطنبول جاءت للمشاركة في مؤتمر الإذاعة والتلفزيون التركية، تحت شعار ”أزمة العولمة: المخاطر والفرص”، إلا أن مراقبين ربطوها بما تشهده البلاد من جدل بشأن تشكيل الحكومة والمخاوف المتصاعدة من هيمنة النهضة على الرئاسات الثلاث.
ورجّح هؤلاء المراقبين أن يكون الهدف الحقيقي من الزيارة هو البحث عن دعم سياسي وربما مالي لمواجهة الضغوط الداخلية المتصاعدة، وهو ما يثير المخاوف من تعمّق النفوذ التركي في تونس.
ولم تتوقف تركيا برئاسة أردوغان منذ العام 2011، عن توظيف دعمها لجماعات الإسلام السياسي لتوسيع مجال نفوذها في منطقة شمال أفريقيا، من ذلك تونس وبشكل أكبر ليبيا.
وتحاول الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة التصدي لمحاولة النهضة تعيين رئيس للحكومة من داخلها، في حين ينظر مراقبون للأمر على أنه مناورة تهدف إلى تحسين التفاوض، وأن النهضة مازالت مستمرة في سياسة الحكم من وراء ستار رغم ما تبديه قواعدها من رغبة في الحكم بشكل مباشر.
وفيما قرر اجتماع مجلس شورى النهضة، أعلى سلطة داخلية في الحركة، تعيين رئيس حكومة من صفوفها، بمباركة 250 عضوا أجمعت الأحزاب السياسية المعنيّة بمشاركتها في تشكيلة الحكومة الجديدة، على رفضها أن تترأس النهضة الحكومة ووصفت قرار مجلس شورى النهضة بالمناورة السياسية.
وتعارض قواعد حركة النهضة وأنصارها في الجهات، توجّهات قيادة الحزب التي دأبت خلال السنوات الماضية على الحكم من خلف ستار وتدعوها إلى المسك بزمام الأمور وتحمّل المسؤولية وهو ما يمثّل ضغطا عليها في ظل رفض الأحزاب هيمنتها على الحكم.
تشكيل الحكومة على قاعدة برامج يستوجب من النهضة تنازلات وتواضعا خلال تفاوضها مع الأحزاب
ومثّل موقف حزب التيار الديمقراطي أول اعتراض على مساعي النهضة إلى قيادة الفريق الحكومي القادم، وأعلن رفضه القاطع للمشاركة في ائتلاف حكومي جديد تترأسه الحركة الإسلامية، معتبرا أن مقترحها غير مطروح تماما للنقاش.
وقال الأمين العام للحزب غازي الشواشي إن حزبه يرفض المشاركة في حكومة تترأسها النهضة، معللا الرفض بأن النهضة “فشلت فشلا ذريعا طيلة السنوات التي أدارت فيها الحكم بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي سنة 2011”.
واقترح حزب التيار الديمقراطي تعيين شخصية مستقلّة على رأس الحكومة لضمان الحصول على الثقة في البرلمان التونسي.
وقال غازي الشواشي “مجلس شورى النهضة اختار التمسك برئاسة الحكومة، ولكن الحركة ستغيّر موقفها لاحقا عند تكليفها بصفة رسمية من رئيس الجمهورية”.
ويرى الشواشي أن الحركة لا تمتلك أغلبية برلمانية مريحة تؤهلها لاشتراط تعيين شخصية من صفوفها لمنصب رئيس الحكومة، داعيا قياداتها إلى الاستماع إلى الأحزاب المعنيّة بمشاركتها في الحكم.
واعتبر أن “تمسّك النهضة بمنصب رئاسة الحكومة هو نوع من الهروب إلى الأمام ومحاولة لفرض الأمر الواجب وهو مناورة سياسية تسعى من خلالها إلى طمأنة قواعدها الشعبية قبل الانطلاق الرسمي في المشاورات مع الأحزاب المشمولة بمشاورات تشكيل الحكومة”.
ويرى حزب التيار الديمقراطي، أن تشكيل الحكومة على قاعدة برامج يستوجب من النهضة تنازلات سياسية، وتواضعا في تفاوضها مع الأحزاب المعنيّة بالمشاركة في الحكم.
ويتماهى موقف حزب التيار الديمقراطي مع حركة الشعب ذات التوجّه القومي التي تتمسك بموقفها الرافض لتعيين شخصية من النهضة على رأس الحكومة الجديدة.
وقال الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، إن الحركة تنفتح على الحوار السياسي من أجل تشكيل الحكومة وتتمسك في نفس الوقت برفضها التام لترؤس النهضة للفريق الحكومي الجديد.
ولاحظ المغزاوي أن التفويض الشعبي الذي تحصّلت عليه النهضة من الشعب في الانتخابات التشريعية “فوز منقوص يعادل ربع الناخبين ولا يؤهلها للتفاوض مع الأحزاب المعنية بالحكم باشتراطها تزعم الحكومة”.
وتقترح حركة الشعب تشكيل ما أسمته بـ”حكومة الرئيس”، بحيث يتولى رئيس الجمهورية المنتخب، قيس سعيّد، تكليف شخصية مستقلّة بتشكيل الحكومة لتجنيب البلاد مأزقا سياسيا.
وقال المغزاوي “حكومة ستشكّلها النهضة سيكون مآلها الفشل، من حقها تشكيل الحكومة لكن لا يمكن لها أن تترأسها باعتبارها لم تتخذ أي خطوة في مكافحة الفساد والقيام بالإصلاحات طيلة مشاركتها في الحكم في السنوات الأخيرة”.
وستعمل حركة الشعب على كسب تأييد سياسي لمقترح استغلال الشرعية الواسعة لرئيس الجمهورية التي منحها له الناخبون.
ويرى المغزاوي أن “النهضة تتمسّك برئاسة الحكومة لأنها لا تفكر أبدا في إصلاح أوضاع البلاد، وإنما تبحث عن الغنيمة وتعتبر أن الحكم ليس لخدمة البلاد وإنما فقط للتمكّن من الحكم لخدمة أغراضها وخدمة المشروع الإخواني”.
من جانب آخر، جدّدت حركة تحيا تونس برئاسة يوسف الشاهد رفضها القطعي المشاركة في الحكم والدخول في ائتلاف حاكم مع حركة النهضة. وقال القيادي بحركة تحيا تونس، كريم الهلالي، إن الحركة غير معنيّة بتاتا بأي مفاوضات تتعلّق بتشكيل الحكومة الجديدة.
واعتبر الهلالي أن حزب تحيا تونس ينأى بنفسه عن التجاذبات المتعلّقة بتمسّك النهضة برئاسة الحكومة التونسية باعتبارها اختارت البقاء في صفّ المعارضة البرلمانية.
وحلّت حركة النهضة الإسلامية في المرتبة الأولى في نتائج الانتخابات التشريعية بفوز غير مريح ولا يمنحها أغلبية مطلقة، ويليها حزب نبيل القروي “قلب تونس” ثانيا بـ38 مقعدا، فيما حلّ التيار الديمقراطي (ديمقراطي اجتماعي) ثالثا بـ22 مقعدا، يليه ائتلاف الكرامة المحافظ (21 مقعدا) ثم الحزب الدستوري الحر (17 مقعدا) وحركة الشعب (16 مقعدا) وتحيا تونس (14 مقعدا).
وسيكون أمام حركة النهضة مهلة شهر لتشكيل حكومة قادرة على نيل ثقة غالبية النواب، وهي مهمة بالغة الصعوبة في مجلس مشتت.
وأجرى رئيس الحركة راشد الغنوشي اتصالات أولية مع أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس، وائتلاف الكرامة، والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.