في إطار سعيها الدؤوب لتعزيز القدرات المهنية لأعضائها وشركائها نظمت جمعية أكسيا دورة تدريبية متخصصة حول تقنيات التواصل وأهم المهارات اللينة في بيئة العمل تحت إشراف السيد لسعد بوعتور مراقب عام للمالية وبمشاركة 22 مشاركا من أعضاء الجمعية وإطارات الهياكل والمؤسسات العمومية والشريكة، وتأتي هذه الدورة في وقت يشهد فيه سوق العمل تحولات كبيرة حيث أصبحت المهارات اللينة شرطا أساسيا للنجاح المهني مما يجعل مثل هذه المبادرات ضرورة ملحة لتعزيز كفاءة الأفراد داخل المؤسسات.
وقد استهلت الدورة بتوضيح أهمية التواصل الفعال في بيئة العمل من خلال التركيز على الإصغاء النشط وضبط ردود الفعل والتفاعل الإيجابي مع الضغوط اليومية وهو ما يعزز القدرة على التعامل مع أنماط الشخصيات المختلفة خاصة القيادات والرؤساء، كما قدم المدرب شرحا متكاملا لأنواع التواصل المختلفة سواء اللفظي أو الجسدي أو الحركي أو الرقمي مع إبراز أساسيات البرمجة العصبية اللغوية والذكاء العاطفي مما مكن المشاركين من فهم أعمق لأدوارهم داخل الفرق واكتساب أدوات عملية لتعزيز التعاون وحل النزاعات وصياغة رسائل واضحة تسهم في بناء علاقات مهنية أكثر انسجاماً وإنتاجية.
وبالانتقال إلى البعد الإحصائي تشير الدراسات الحديثة إلى أن 85% من نجاح الموظف يعتمد على المهارات اللينة مقابل 15% للمهارات الفنية، كما أن 91% من المناصب الإدارية و86% من وظائف العمليات التجارية و81% من الوظائف الهندسية تبحث عن مرشحين يمتلكون مهارات لينة قوية بينما أفاد 63% من الذين تلقوا تدريبات على هذه المهارات بتحسن ملموس في أدائهم المهني، علاوة على ذلك يرى 80% إلى 90% من العاملين أن المهارات اللينة عنصر حاسم في تحقيق نجاح مستدام في بيئة العمل.
وفي السياق التونسي، تبرز تحديات كبيرة في سوق العمل إذ يعاني الشباب من معدلات مشاركة منخفضة خاصة النساء غير الحاصلات على شهادات عليا حيث تقل نسبتهن عن 25% مما يجعل مثل هذه التدريبات ضرورية لإكسابهم مهارات عملية تعزز فرصهم المهنية، ويأتي دعم القانون التونسي للعمل (القانون رقم 9-2025 المعدل في ماي 2025) ليؤطر تطوير المهارات في بيئة العمل من خلال تنظيم ساعات العمل والإجازات وضمان حقوق الموظفين إضافة إلى فرض إشعارات كتابية عند إنهاء الخدمة بما يحقق التوازن بين حقوق الموظف ومتطلبات الإنتاجية.
إلى جانب ذلك، تقدم البرامج الحكومية بدعم من منظمة العمل الدولية والمنظمة الاقتصادية للتعاون والتنمية تدريبات متخصصة لتحسين المهارات وربطها باحتياجات سوق العمل وهو ما يعكس رؤية وطنية لتعزيز المرونة المهنية مع الحفاظ على حقوق العاملين، وبالاستناد إلى هذه المبادرات يمكن تحقيق تحسين مستدام في التواصل والمهارات اللينة عبر تبني حلول عملية وممنهجة حيث يساهم التركيز على الإصغاء النشط في تعزيز التفاهم والوضوح داخل الفرق، كما أن صياغة الرسائل بشكل دقيق وموجز ومراقبة لغة الجسد واستخدام الإيماءات الإيجابية يعزز من فعالية التواصل اليومي.
ومن بين الحلول العملية التي تم التأكيد عليها خلال الدورة هي تنظيم تدريبات دورية على الذكاء العاطفي لتعزيز ثقافة إيجابية في المكاتب وطلب ردود الفعل بشكل منتظم وتشجيع التعليقات الإيجابية الصغيرة لتعزيز التعاون إضافة إلى وضع أهداف ذكية لممارسة حل النزاعات بما يضمن بيئة عمل أكثر توازنا وإنتاجية.
ختاما، تبرز دورة جمعية أكسيا كخطوة استراتيجية مهمة في السياق التونسي إذ توفر للمشاركين فرصة اكتساب مهارات حيوية تتجاوز الحدود التقنية لتشمل التواصل الفعال، التعاون المثمر وحل النزاعات بذكاء وبالتالي المساهمة في بناء قوة عمل أكثر كفاءة وانسجاما، إذ أن الاستثمار في المهارات اللينة وخاصة الموارد البشرية لم يعد خيارا ثانويا لكنه أصبح حجر الزاوية لبناء مستقبل مهني مستدام وقوي يعكس قدرة الأفراد والمؤسسات على التكيف مع تحديات سوق العمل الحديث ويعزز من فرص النمو الاقتصادي والاجتماعي في تونس.
