في ليلة من ليالي قرطاج التي لا تُنسى، خرج المسرح عن صمته المعتاد، وانفجر الركح بالحياة. صخبُ الضحك، صدى التصفيق، والدهشة التي لم تغادر الوجوه... كلّها كانت حاضرة في عرض "بينومي"، توقيع الفنان عزيز الجبالي، تأليفًا وإخراجًا، وبمساهمة إبداعية من صابر الوسلاتي.
"بينومي" ليس مجرّد عمل مسرحي، بل صدمة فنية حلوة، تدخلك من باب الكوميديا لتلقي بك في قلب الواقع... دون أن تشعر.
شخصية تُشبهنا... وواقع يُشبهنا أكثر
شاب تونسي بسيط، يعمل في تصميم الأزياء، يبحث عن "بينومي" – أي شريك سكن – في مدينة تمشي على حبل مشدود بين التناقضات. من هذه الحبكة "البسيطة"، ينفجر النص بجرأة الطرح وذكاء التناول. لا شعارات، لا دروس جاهزة، فقط مرآة صافية تريك ما لا تراه عادة... تريك نفسك.
ركحٌ اشتعل بالحياة
السينوغرافيا لعبت دور البطولة أيضًا. الديكور، الإضاءة، الإيقاع... كلّها كانت تخدم القصة دون أن تسرق الأضواء. أما الأداء الجماعي فكان متقنًا حدّ الإبهار، حيث توزّعت الأدوار بين عزيز الجبالي، صابر عبد الجميع، بوشناق الوسلاتي، فاطمة صفر، ياسمين ديماسي، عصام عبسي، محمد السويسي، جهاد الشارني، وعصام العياري (Vipa)، إلى جانب الشيخ محمد وعبد الكريم البناني.
كلّ ممثل زرع شيئًا في القاعة… ضحكة، صرخة داخلية، أو حتى دمعة مكتومة.
ضحك… ثم صمت ثقيل
ما يميّز "بينومي" حقًا هو تلك اللحظات التي يضحك فيها الجمهور من القلب، ثم يصمت فجأة وكأنه اكتشف أن النكتة عنه. الضحك يتحوّل إلى مرآة، والنص إلى طلقات ساخرة تطارد تناقضاتنا اليومية. العرض يمسكك من يدك ليقول لك: "انظر… هذا أنت!"
المسرح لا يزال حيًّا… وفي أوج عطائه
"بينومي" أثبت أن المسرح التونسي لم يمت، ولم يتعب، ولم يهرم. لا يزال قادرًا على الإدهاش، على الإضحاك، على فضح المسكوت عنه دون عنف، ودون خطب. والفضل في ذلك يعود إلى فريق جمع بين الحس الفني والإنساني، وأصرّ على أن يقدّم شيئًا يليق بالمكان وبالجمهور وبالمرحلة.
"بينومي" ليس عرضًا فقط، بل تجربة
من يخرج من القاعة بعد العرض، لا يخرج كما دخل. يحمل شيئًا جديدًا في داخله... شيء لا يُقال، لكن يُحَسّ.
"بينومي" هو العرض الذي لا تراه فقط… بل تعيشه.
بقلم: هدى زاير