شهر أكتوبر المعروف عالميا باسم "أكتوبر الوردي" يمثل فرصة هامة لتسليط الضوء على سرطان الثدي وهو أحد أكثر أنواع السرطان انتشارا بين النساء في تونس والعالم، ويعرف سرطان الثدي بأنه نمو غير طبيعي لخلايا الثدي وقد يمتد هذا النمو إلى أنسجة أخرى إذا لم يتم تشخيصه ومعالجته في الوقت المناسب، ولذلك يكتسب الاكتشاف المبكر أهمية بالغة حيث يمثل الركيزة الأساسية للحفاظ على حياة المرأة وضمان جودة صحتها العامة، وعلى الرغم من التقدم الطبي الكبير يظل هذا المرض تحديا صحيا واجتماعيا واقتصاديا لأنه لا يؤثر على المرأة وحدها بل يمتد أثره إلى الأسرة والمجتمع مما يستدعي تكاتف جميع الأطراف للتوعية والدعم.
وبالنظر إلى الإحصائيات، فإن الأرقام تشير إلى مدى خطورة هذا المرض فقد سجلت وزارة الصحة التونسية خلال عام 2023 4346 حالة جديدة من سرطان الثدي وهو ما يمثل حوالي 36.9٪ من إجمالي حالات السرطان لدى النساء، ومن اللافت أن معدل الإصابة يصل إلى 55.4 حالة لكل 100,000 نسمة في شمال البلاد مع زيادة ملحوظة في الفئة العمرية بين 40 و55 عاما، وعلى الرغم من هذه الأرقام المقلقة تؤكد الدراسات الطبية أن اكتشاف المرض في مراحل مبكرة يرفع فرص الشفاء إلى نحو 90٪ تقريبا ما يجعل من الكشف المبكر أداة فعالة وأساسية للنجاة لذلك يجب اعتباره جزءا لا يتجزأ من روتين الرعاية الصحية للمرأة إذ أن الإهمال أو التأجيل قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تقلل فرص العلاج الناجح.
وعليه، تصبح الوقاية والكشف المبكر الركيزتين الأساسيتين لمكافحة سرطان الثدي حيث أن اكتشاف المرض قبل ظهور الأعراض يسهم بشكل كبير في تسهيل العلاج وتحقيق نتائج أفضل ويشمل ذلك الفحص الذاتي الشهري للثدي الذي يعد وسيلة فعالة لملاحظة أي تغيرات في الشكل أو الملمس، إضافة إلى ذلك يوصى بإجراء الفحص السريري السنوي خاصة للنساء فوق سن الأربعين أو وفق توصيات الطبيب وهو ما يعزز فرص الكشف المبكر عن أي علامات غير طبيعية لا يمكن ملاحظتها ذاتيا، كما أن إجراء الماموغرافيا بشكل دوري كل عامين للنساء بين سن 50 و69 عاما أو وفق تقييم الطبيب يعد من الإجراءات الحيوية لأنه يمكن من رصد الأورام في مراحلها المبكرة قبل أن تتطور أو تنتشر وبالتالي يمثل أداة تشخيصية دقيقة وأساسية.
وفي سياق العلاج، يعتمد اختيار الاستراتيجية المناسبة على مرحلة المرض ونوع الورم مما يستلزم تقييما دقيقا لكل حالة على حدة وتشمل الخيارات الجراحة لإزالة الورم أو جزء من الثدي وقد تتطلب بعض الحالات إزالة الثدي بالكامل حسب حجم الورم ومدى انتشاره، كما يشمل العلاج الإشعاعي والكيميائي الذي يهدف إلى تدمير الخلايا السرطانية ومنع انتشارها إلى أجزاء أخرى من الجسم، في حين تساهم العلاجات الهرمونية والمستهدفة في مكافحة الأورام التي تعتمد على الهرمونات أو تظهر مؤشرات جزيئية محددة، ما يزيد من دقة العلاج وفعاليته، ومن هذا المنطلق يظهر التكامل بين التشخيص المبكر وخيارات العلاج المتعددة كعامل حاسم لتحقيق نسب شفاء مرتفعة وتحسين جودة الحياة للمصابات.
وعلى الجانب المجتمعي، تولي تونس اهتماما بالغا خلال شهر أكتوبر للتثقيف الصحي والتوعية حول سرطان الثدي حيث تنسجم الحملات التوعوية مع جهود المجتمع المدني والقطاع الصحي لتحقيق تأثير أوسع وأعمق وتشمل هذه الحملات ورش عمل وندوات تعليمية تهدف إلى رفع وعي النساء بأهمية الكشف المبكر وكيفية إجراء الفحص الذاتي بشكل صحيح، إلى جانب ذلك توفر هذه الحملات فحوصات مجانية مثل الماموغرافيا والفحص السريري في مختلف المراكز الصحية على مستوى الجمهورية، كما تنظم فعاليات مجتمعية وفنية ورياضية لدعم المصابات وتعزيز روح التضامن ما يعكس أهمية التعاون بين الجانب الصحي والمجتمعي في مواجهة هذا المرض.
ومع ذلك، يظل تأخر التشخيص أحد أكبر التحديات خاصة في المناطق النائية أو بين الفئات الأقل وعيا وبالتالي فإن تعزيز التثقيف الصحي والمبادرة لإجراء الفحوصات الدورية يمثل السبيل الأمثل لتقليل المخاطر وتحسين النتائج العلاجية، وعليه يصبح من الضروري التأكيد على أن الكشف المبكر ليس مجرد خيار بل هو مفتاح الحياة فكلما تم اكتشاف الورم في مراحله المبكرة، زادت فرص الشفاء وقلّت المضاعفات وبالتالي فإن الوقاية والمعرفة والتعاون المجتمعي تشكل أعظم سلاح في مواجهة سرطان الثدي.
وفي الختام، يمكن القول إن مواجهة سرطان الثدي تتطلب نهجا متكاملا يجمع بين التوعية، الفحص المبكر، العلاج الدقيق والدعم المجتمعي المستمر، فمن خلال الالتزام بالتثقيف الصحي والمبادرة الفردية والجماعية يمكن تحويل هذا التحدي الصحي إلى فرصة لتعزيز الوعي المجتمعي والارتقاء بمستوى الرعاية الصحية للمرأة التونسية الأمر الذي يضمن حياة أطول وصحة أفضل لكل امرأة.
