اختر لغتك

القراءة المبدعة

القراءة هي ممارسة معرفية و عمل فكري تقوم أساسا على فهم اللغة و المضمون و إدراك الأسلوب و السياق و النوع الذي يندرج ضمنه الأثر المقروء. و هو ما يحقق إستفادة علمية و توسّع معرفي يستعين به القارئ في تدعيم تخصصه العلمي و العملي و الإرتقاء بزاده الثقافي العام. لكن الكثير يسقط في فخ القراءة الغير مجدولة و الغير مصنفة كالقراءة في مجال واحد أو قراءة صنف واحد من الأجناس المكتوبة كالرواية مثلا و هو ما يقلل فرص الانتفاع بما يُقرأ و لا يُدعم الزاد المعرفي العام او التخصصي. فكيف يمكن أن تكون القراءة ممارسة مبدعة و مفيدة؟

تعتبر القراءة معيار يقاس به مدى تقدم الأمم و المجتمعات كونه يقوم على أساس العلم و المعرفة و التعلّم الذي به تضمن مختلف الأجيال مزيدا من الرقي و الإشعاع. فهي عامل مشكِّل للقدرات العلمية و مدعما للفكر و صاقل الخبرات، و بالتالي تصنع مسار تحليلي محترف يهيئ القارئ المطلع إلى لعب دور مهم ضمن النخبة المثقفة المشاركة في القرار و الموجهة للوعي الجماعي.

و لتكون القراءة مثمرة و مفيدة لابدا أن تكون قراءة مبدعة، و هي القراءة الواعية المحركة للعقل و المُشجعة على إعمال الفكر و التى تحمل نظرة ثاقبة للمحتوى. لأنها السبيل إلى العلم و الإبداع و الإستثمار المعرفي، و هي الطريق الذي يجمع كل العلوم تحليلا و نقدا، كما يقول عبد القادر المازني "كلما إتسع الناس، إتسعت المعاني"، و إتسعت مهارات الإبداع و مجالات الفكر و سَمَت الأخلاق عاليا و زادت الثقة بالنفس، بالتالي يزيد تقدم و تطور الفرد و المجتمعات.

و لكي تكون القراءة مبدعة لابدا أن يتم تخصيص وقت للقراءة و توفير أجواء مساعدة على القراءة و التحصيل و إختيار ما سيتم قراءته و الأفضل أن يتم التركيز في القراءة على التخصص و بالتوازي التنويع و القراءة في كل شئ لزيادة المعارف و تدعيم الثقافة العامة. أيضا لابدا من التدرج في القراءة و مراعاة المستوى التعليمي لضمان الإستفادة و الفهم، كذلك يُنصح بتدوين أهم الملاحظات و الفوائد المحصّلة و تقييم ما يُقرأ و الحرص على المشاركة في فعاليات القراءة الجماعية و تبادل المعارف مع المجموعة لتترسخ أكثر في العقول.

إن المتأمل أكثر لواقع القراءة المبدعة في الدول العربية يلاحظ تدني نسب القرّاء و المبدعين و تراجع في جودة المحتوى المقروء كالإقبال على قراءة الروايات و إغفال قراءة الكتب الفكرية و هو ما أدّى إلى الخمول الفكري و التوجه إلى الترفيه أكثر و الإقبال على الألعاب الإلكترونية المهددة للإبداع و التالفة للعقول، و نقص كبير في الإنتاج الإبداعي و تراجع عدد المكتبات و دور النشر. و هذا مؤشر يدعو إلى دق ناقوس الخطر و الإسراع بوضع إستراتيجيات إصلاحية تنموية ذاتية بالأساس تحثّ على القراءة المبدعة و الإنتاج العلمي ببعث مشاريع منتجة للإبداع و بناء المكتبات و تسهيل خدمات الوصول الى مصادر العلوم و المعارف في شتى المجالات و إقتناء الكتب المفيدة. و قد شهد العالم العربي العديد من المبادرات من هذا النوع أطلقتها طاقات شابة همها نشر فوائد القراءة و جعلها عادة يومية لعل أهمها مشروع الدكتور محمد الشمري، أصبوحة 180، الذي يشجع على القراءة اليومية و التحصيل المعرفي بالقراءة المبدعة تحت عنوان صناعة القراء و الحفاظ على القراءة اليومية لمدة عشرة دقائق و تدوين الأطروحة اليومية في مجموعات مخصصة لذلك على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك و اصبح المشروع متداولا في اكثر من خمسة و أربعين دولة و حظي بإهتمام إعلامي كبير نظرا لما حققه من نتائج مهمة و تزايد عدد القراء للمشروع يوميا.

تبقى القراءة الهادفة ذلك الرهان الذي يتوقف عليه رقي الأفراد و المجتمعات فهي كواجب فرض عين قبل ان يكون مجرد شغف و إهتمام، إنه أسلوب حياة و السبيل نحو التطور و الرفعة الفكرية.

 

آخر الأخبار

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

السينما التونسية تتألق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2024

السينما التونسية تتألق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2024

المنتدى السادس والعشرين لحقائق: السياحة في  المتوسط محور جدل أهل المهنة في الحمامات 

المنتدى السادس والعشرين لحقائق: السياحة في  المتوسط محور جدل أهل المهنة في الحمامات 

نابولي: الأطفال بين السلاح والعنف.. أزمة تهدد جيلًا كاملًا

نابولي: الأطفال بين السلاح والعنف.. أزمة تهدد جيلًا كاملًا

Please publish modules in offcanvas position.