عدم القدرة على التعبير عن المشاعر بشكل فعال ينتج خللا في السلوك.
لا يقتصر الشعور بالقلق على الأشخاص البالغين فقط، فالأطفال أيضا يصابون بقلق الطفولة، ما يجعلهم يميلون إلى العدوانية، ذلك أن عدم القدرة على التعبير عن المشاعر بشكل فعال ينتج خللا في السلوك. وتتميز أعراض اضطرابات قلق الأطفال بانتقائيتها وخصوصيتها حيث تختلف الأعراض باختلاف نوع الاضطراب.
واشنطن ـ يؤكد خبراء علم النفس أن القلق عند الأطفال لا يختلف كثيرا عن قلق الكبار في ماهيته، فالقلق في كلتا الحالتين عبارة عن مشاعر بشرية طبيعية، إذ يحفز قدرة الجسم على مواجهة الخطر وحماية البشر من التهديدات المحيطة.
لكن الخبراء يشيرون إلى أن اضطراب قلق الطفولة يؤثر على حياة الطفل بكافة جوانبها، ففي الغالب يتجنب الأطفال التحدث عما يمرون به خوفا من عدم تفهم آبائهم وتوجيه النقد لهم أو اتهامهم بالضعف والخوف والجبن، وبالتالي فإنه يمكن التعرف على الأعراض المميزة لاضطرابات القلق من خلال طريقة تفاعل الأطفال مع حياتهم الاجتماعية بشكل عام، حيث يعد سلوك الطفل في المنزل والمدرسة مؤشرا مهما يمكن الاسترشاد به.
كما تتميز أعراض اضطرابات قلق الأطفال بانتقائيتها وخصوصيتها حيث تختلف الأعراض باختلاف نوع الاضطراب، ويحدد الخبراء الأعراض العامة لاضطرابات القلق عند الأطفال في الخوف والقلق المفرط وعدم القدرة على التحكم في المخاوف والسيطرة عليها، وكذلك الغضب وضعف التركيز والتهيج وحدوث الشد العضلي، بالإضافة إلى آلام البطن والإرهاق المستمر والإعياء المتوالي أثناء ساعات النهار، وكذلك الأرق واضطرابات النوم.
ويعد القلق عند الأطفال، في مستوياته المعتدلة، عبارة عن عملية طبيعية وجزء لا يتجزأ من حياتهم، كالكبار تماما، إذ يحدث قلق الطفولة عند طفل واحد من بين كل 4 أطفال بين سن الـ13 والـ18 عاما، لكن رغم انتشار قلق الطفولة إلى هذا الحد فإن نسبة انتشار اضطرابات القلق الحاد لدى الأطفال بين الـ13 والـ18 عاما تبلغ حوالي 6 في المئة، أي أن اضطرابات قلق الطفولة الشديدة تركت دون علاج في حوالي 6 في المئة من الأطفال، وهو ما يعتبر مشكلة في غاية الخطورة، ذلك لأن تراكم اضطرابات القلق في الطفولة، نتيجة لعدم قدرة الأطفال على التكيف معها والتغلب عليها، يرتبط ارتباطا وثيقا بحدوث الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب، ومرض الفصام عند البالغين، بالإضافة إلى العديد من الأمراض النفسية والعقلية التي يتعرض لها الأطفال ما بعد مرحلة البلوغ.
ويزداد ظهور قلق الطفولة مع الأطفال الذين لا يمتلكون القدرة على التعبير عن أنفسهم أو مشاعرهم بشكل فعال على صورة خلل في السلوك، مثل الانهيار أو المعارضة أو حتى العدوانية.
والعدوانية هي سلوك غير مرغوب فيه يصدر عن الأطفال بطرق مختلفة، منها الضرب أو العض أو القيام بإيذاء الآخرين نفسيا كإطلاق الكلام البذيء. والعدوانية هي أيضا الطريقة التي يعبّر عنها الطفل بردة فعله إزاء موقف معين، وتكون ردة الفعل طبيعية لأنّ بذلك يقوم الطفل بحماية نفسه من الأطفال أو الكبار الآخرين.
وقالت الدكتورة لورا براجر، مديرة خدمة طوارئ الطب النفسي للأطفال في مستشفى ماساتشوستس العام، إن قلق الطفولة يعتبر واحدا من تلك التشخيصات فائقة التخفي، التي من الممكن أن تبدو مثل الكثير من التشخيصات الأخرى، خاصة مع الأطفال الذين لا يمتلكون القدرة على التعبير عن أنفسهم أو مشاعرهم بشكل فعال من خلال الكلمات، أو الأطفال الذين لا يستمع إليهم من حولهم، وبالتالي يظهر قلقهم على صورة خلل في السلوك مثل الانهيار أو المعارضة أو حتى العدوانية، وهو ما يفسره من حولهم على أنه نوع من الغضب وليس اضطرابا من اضطرابات القلق.
ويعرّف الخبراء الاضطراب السلوكي بأنه شكل من أشكال السلوك الانفعالي غير الاعتيادي وغير المقبول اجتماعيا، والذي يبتعد عن ثقافة ومعايير المجتمع ويخرج عن الأعراف والقوانين الاجتماعية.
ويتسم هذا السلوك بأنه نمط متكرر وثابت، ويضع الخبراء شرطا لاعتبار الطفل مصابا بهذا الاضطراب، وهو استمرار الأعراض مدة 6 أشهر، وفي العادة فإن الطفل أو المراهق المصاب باضطراب السلوك يجد صعوبة شديدة في الالتزام بالقواعد والتصرف بصورة منضبطة ومتقبلة اجتماعيا، وهو ما يجعل البالغين والأطفال الأسوياء ينظرون إلى تصرفاته نظرة سيئة.
ويتعرض الطفل نتيجة للاضطرابات السلوكية التي يعاني منها لصعوبات ومشاكل في حياته، منها قلقه المتواصل وعدم قدرته على إقامة علاقة صداقة، وتوتر علاقاته العائلية، وكذلك اضطراب العلاقة مع معلميه، وهو ما يلقي بظلاله على مستواه الدراسي ومدى تحصيله.
ويتسع مفهوم اضطرابات قلق الطفولة ليشمل عدة اضطرابات أخرى مثل اضطراب القلق العام، والقلق الاجتماعي، وكذلك اضطراب قلق الانفصال، واضطراب الهلع، بالإضافة إلى الخرس (الصمت) الاختياري، والفوبيا (الرهاب) من أشياء محددة بعينها.
ووفقا للباحثين وخبراء الصحة النفسية، فإن 9 في المئة من الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة ابتداء من سن الرابعة يعانون من اضطراب قلق الطفولة، كما يعانون من اضطراب قلق الانفصال في سن السادسة، بينما في سن العاشرة يعانون من اضطراب القلق العام، كل ذلك مع غطاء قوي من القلق الاجتماعي خلال فترة الطفولة المتأخرة بداية من سن الثالثة عشر وصولا إلى نهاية مرحلة الطفولة في سن الثمانية عشر.
ويتجلى القلق عند الأطفال في الكثير من الحالات عن طريق الانسحاب من المواقف التي تثير المخاوف، والتقليص من الأشياء والأفعال التي تحفز الضغوطات، فيظهر سلوك الانسحاب الذي لا يمكن إدارته أو التحكم فيه من قبل الأطفال كاستجابة للحاجة الماسة إلى الخروج من الوضع غير المريح، لكن غالبا ما يُساء فهم هذا السلوك، إذ يتم تفسيره على أنه حالة من العدوانية والمعارضة والغضب.
ويرى الخبراء أن إيجاد وسائل وخطة للتحكم في السلوك العدواني عند الطفل يرتبط بقدرة الأم والأب على فهم المتغيرات المرتبطة بهذا السلوك، فمع ازدياد الفهم لأسباب السلوك العدواني لدى الطفل تتاح فرصة التعرف على الحلول لهذه المشكلة.
ويقترح الخبراء على الوالدين قضاء وقت مع أطفالهم يوميا، يشاركان فيه الأطفال اهتماماتهم. والاندماج معهم في نشاطاتهم يشعرهم بالدف، كما يشعرون بأهمية تواصل الفرد مع الآخرين بطريقة مقبولة اجتماعيا، ومن ثم يجد الأطفال في اندماج الأبوين معهم نموذجا يشعرون من خلاله بأهمية أن يكون لهم نفس الطباع في العلاقة مع الآخرين.