بانوراما

يحتفل العالم في اليوم التاسع من مارس من كل عام باليوم العالمي للمرأة، وهو مناسبة هامة تسلط الضوء على حقوق النساء وتحقيق المساواة بين الجنسين؛ وفي هذا العام، جمعية النساء العربيات المتخصصات بالشراكة مع مدينة العلوم بتونس تنظم برنامجا مميزا يهدف إلى حماية النساء والفتيات من العنف في عصر الرقمنة.

تعيش المجتمعات اليوم في زمن تسود فيه التكنولوجيا والرقمنة في كل جوانب الحياة؛ ومع ذلك، تواجه النساء والفتيات تحديات جديدة ومتنوعة تتعلق بالعنف المسلط عليهن في العالم الرقمي، ولذا فإن البرنامج المقام يعزز الوعي ويوفر المعلومات والأدوات اللازمة للتصدي لهذا النوع من العنف وحماية حقوق النساء والفتيات.

تنطلق فعاليات البرنامج بكلمة افتتاحية تلقيها السيدة هدى الورغي، إطار بمدينة العلوم بتونس، والتي تشدد على أهمية حماية النساء والفتيات في ظل التحولات التكنولوجية السريعة، تليها كلمة للدكتورة منجية اللبان بن بريك، رئيسة جمعية النساء العربيات المتخصصات، والتي تسلط الضوء على دور الجمعية في مكافحة العنف ضد النساء وتعزيز حقوقهن.

تتضمن فقرات البرنامج محاضرات ومداخلات لمتخصصين في مجال حقوق المرأة والعنف الرقمي، وقدمت الأستاذة أسماء بالطيب، محامية ورئيسة رابطة النساء الحقوقيات في التونسية، محاضرة تسلط الضوء على نطاق العنف في المجتمع وأنواعه؛ بعدها، القت السيدة ملكة مولهي، مستشارة مقرر لدى المكلف العام بنزاعات الدولة، محاضرة تتناول العنف المسلط على النساء ولجوئهن إلى العدالة.

وعدت مداخلة السيد وسيم محمدي، مهندس اعلامية مختص في الذكاء الاصطناعي، حول دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في دعم ضحايا العنف الرقمي، من أبرز المحاضرات في البرنامج، كما استعرض المحاضر دور التكنولوجيا في تمكين الضحايا ودعمهن في مواجهة التحديات الرقمية، وتلتها محاضرة للسيدة ميساء زرزري، خبيرة في السلامة السيبرنية، عرضت فيها  أشكال العنف الرقمي والإطار القانوني المتعلق به، بالإضافة إلى الأدلة والمؤيدات الرقمية المتاحة للضحايا.

وسلطا الأضواء أيضا على التحديات والتأثيرات النفسية والاجتماعية للعنف السيبراني، حيث القى السيد سامي نصر، دكتور وباحث في علم الاجتماع الاتصالي والإعلامي، محاضرة تتناول تلك التأثيرات وتحديات التعامل معها.

كما تضمن البرنامج أيضا جلسة حوارية تناقش العنف المروري المسلط على المرأة، حيث شارك السيد سهيل القزاح، عقيد بالمرصد الوطني للسلامة المرورية، تجاربه ورؤيته في هذا الصدد، كما تخلل المداخلات أيضا مداخلة من قبل السيدة النائبة مريم شريف و السيد النائب طارق رباعي و السيد النائب فيصل صغير .

واختتمت فعاليات البرنامج بجلسة للنقاش وتوصيات تعزز الحوار والتفاعل بين المشاركين ترأستها الأستاذة سامية الزوالي.

تجلت أهمية هذا البرنامج في توفير منصة للتعريف بتحديات العنف الرقمي وتأثيره على حياة النساء والفتيات، وتعزيز الوعي بالأدوات والموارد المتاحة للمساعدة في حمايتهن، كما يساهم البرنامج في تشجيع الحوار والتعاون بين الجهات المعنية في مكافحة العنف وتعزيز حقوق النساء والفتيات.

إن حماية النساء والفتيات من العنف في عصر الرقمنة تتطلب تعاونا قويا وجهودا مشتركة من الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص. ومن خلال برامج مثل هذا البرنامج، نتطلع إلى بناء مجتمع يحمي حقوق النساء ويوفر بيئة آمنة ومستدامة للجميع.

في الختام، يجب أن نتذكر أن حقوق المرأة لا تزال تحتاج إلى جهود مستمرة لتحقيق المساواة الحقيقية والحماية الكاملة، إن الاحتفال باليوم العالمي للمرأة يذكرنا بأهمية المضي قدما في رحلتنا نحو المساواة والعدالة الاجتماعية، وعلى الرغم من التحديات التي نواجهها في عصر الرقمنة، إلا أن هناك تحولات إيجابية تحدث في حماية النساء والفتيات من العنف.

ولعل أحد التحولات الهامة هو زيادة الوعي والتوعية بمشكلة العنف الرقمي، يتم تعزيز التوعية من خلال حملات إعلامية وبرامج تثقيفية تستهدف المجتمع بأسره، كما يتم تسليط الضوء على أشكال العنف الرقمي المختلفة مثل التحرش الجنسي عبر الإنترنت، والتهديد والابتزاز الإلكتروني، والتنمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم أيضا توفير المعلومات حول كيفية التعرف على هذه الأشكال من العنف والتصدي لها.

بالإضافة إلى ذلك، يتم تعزيز التشريعات والسياسات لحماية النساء والفتيات في العالم الرقمي، و يتم اعتماد قوانين جديدة لمكافحة العنف الرقمي ومعاقبة المرتكبين، وتتضمن هذه القوانين توفير الحماية للضحايا وتسهيل الوصول إلى العدالة، كما يتم تطوير سياسات تعزز حقوق النساء والفتيات في الفضاء الرقمي، وتضمن حماية خصوصيتهن وأمانهن على الإنترنت.

علاوة على ذلك، يلعب القطاع التكنولوجي دورا حاسما في حماية النساء والفتيات من العنف الرقمي،  فيتم تطوير تطبيقات وأدوات تكنولوجية تساعد الضحايا على التعامل مع العنف والحفاظ على سلامتهن، على سبيل المثال، توجد تطبيقات تمكن النساء من إرسال إنذارات للطوارئ في حالة تعرضهن للخطر، وتقديم معلومات حول المراكز القريبة التي يمكنهن التوجه إليها للحصول على المساعدة.

ومن المهم أيضا تعزيز التعاون الدولي والشراكات المستدامة لمكافحة العنف ضد النساء في العالم الرقمي، ويجب على الحكومات والمنظمات غير الحكومية والشركات العمل سويًا لتبادل المعلومات والخبرات وتطوير إستراتيجيات مشتركة لمكافحة العنف، كما تحتاج المجتمعات أيضا إلى تشجيع الابتكار وتطوير حلول تكنولوجية جديدة لمكافحة العنف الرقمي، ويمكن استخدام التكنولوجيا في تحليل البيانات ورصد الأنماط والاتجاهات المرتبطة بالعنف الرقمي، وهذا يمكن أن يساعد في اتخاذ إجراءات فعالة للوقاية منه ومعالجته.

ومن الضروري أيضا تعزيز الدور التربوي والتثقيفي في مكافحة العنف الرقمي، و يجب تعليم الشباب والأطفال عن أخلاقيات استخدام الإنترنت وتعزيز الوعي بأنهم مسؤولون عن أفعالهم على الإنترنت، كما يمكن تضمين هذه القضايا في المناهج الدراسية وتنظيم ورش العمل والمحاضرات التوعوية للطلاب والأهالي.

في النهاية، يجب أن نتذكر أن مكافحة العنف الرقمي ضد النساء والفتيات هي مسؤولية مشتركة، يجب على المجتمع بأكمله أن يتحد ويعمل سويًا لخلق بيئة آمنة وخالية من العنف على الإنترنت، كما يجب أن نعمل معا لتمكين المرأة والفتاة وضمان حقوقهن وحمايتهن في العالم الرقمي، حتى نحقق مجتمعا أكثر عدلا وتكافؤا للجميع.

إيمان مزريقي