جاء الإسلام للعرب فقطع عنهم عديد العادات والتّقاليد الوثنيّة ودعاهم إلى عبادة إلاه واحد. وفي نفس الوقت، تمّ القضاء على كلّ الأصنام التي كانت موجودةً بالقرب من الكعبة. كما تمّ القضاءُ أيضًا على الأعياد والاحتفالات التي كانت تقام لها، وذلك خوفًا على الدّين الجديد ودرءًا لكلّ أنواع الرّدّة التي كانت تهدّد الدّين الإسلاميّ.
لم يكن الدّين الجديد ضدَّ الاحتفالات الدّينيّة ولا ضدّ الغناء والطّرب، بل كان يشجّع بعضَ المظاهر التي كانت تحتوي الفرح والغناء وضرب الدفّ؛ "ويُروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم مرّ على أصحاب الدركلة* فقال: "جدُوا يا بني أرفدة حتّى يَعلم اليهودُ والنّصارى أنّ في ديننا فسحة "، وقد كانوا يلعبون في المسجد نفسه بالدّرق والحراب" . كذلك يوجد دليل آخر على أنّ الإسلام -الدّين الجديد الذي ظهر في الجزيرة العربيّة - جاء باحتفالات وأعياد جديدة تختلف عمَّا كان يَحتفل به قبائلُ العرب إبّانَ عصر الجاهلية، حيث " يُروى أنّه لأهل المدينة يومان يلعبون فيهما، فلمّا قدِم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المدينة قال لهم :"قد أيّدكم الله تعالى بهما خيرًا منهما يوم الفطر ويوم الاضحى."
وفي أعياد المسلمين، تواصلَ استعمالُ الموسيقى ومظاهر الطّرب والفرجة، وهذا تأكيدٌ آخر على أنّ الإسلام لم يقطع تمامًا مع الحضارات السّابقة؛ فمثلما كانت الموسيقى المصدرَ الأساسيّ المكوّنَ لطقوس الفرجة والتّعبّد في الجاهليّة وأغلب الحضارات الأخرى، استمرّ هذا التّقليدُ في عهد الإسلام لكن بطريقة تختلف عمّا عهدناه: فالموسيقى والطّرب في الأعياد الإسلاميّة لا تعدو على أن تكون نوعًا من أنواع الاحتفال والفرح فقط. أي تُستعمَل للفرح لا من أجل الشّكر أو التّقرّب من الله، وهذا مَا اضطلعت به أشكالُ الاحتفال التي ظهرت في عهد الإسلام، حيث "رُوي عن عائشة رضي الله عنها، أنّ أبا بكر رضي الله عنه دخل عليهما في أيّام منى وعندهَا جاريتان تدفّفان وتضربان، والنّبيّ صلى الله عليه وسلّم متغشّ بثوبه، فنهرهما أبو بكر، فكشف النّبيّ عن وجهه وقال: دعهما يَا أبا بكر فإنّها أيّام عيد" .
بعدما انتشر الإسلام في كامل الجزيرة العربيّة وكذلك في بلاد الشّام وعدّة مناطق أخرى، برزت عدّةُ مظاهر للفرجة مختلفة ومتنوّعة من مكان لآخر. وهو دليل على الثّراء الفكريّ والأدبيّ والموسيقيّ الذي شهده العهد الإسلامي؛ فعلى سبيل المثال في العراق، تميّزت الحقبةُ العبّاسيّة بتطوّر العديد من المجالات الفكريّة والأدبيّة والفنيّة أيضًا، إذ اتّسمت بخاصّية تطوّر الشّعر المكتوب باللّهجة العامّية، ومحاولة تدوين الآثار الإبداعيّة الشّفهيّة و" قد تكاثرت الكتاباتُ الرّوائيّة مثل قصّة عنترة، كما يُنسب إلى تلك الفترة أمرُ استكمال الصّيغة النّهائيّة لكتابات ألف ليلة وليلة، وأيضًا ازدهار خيال الظّل" ، وما يوفّره من فرجة مرئيّة وسمعيّة. ويَعتمد هذا الفنُّ على الخدعة البصريّة المتمثّلة في وجود شاشة تُحرَّك وراءها شُخوص مع وجود إنارة فتعطي ظلَّ الخيالات مع مرافقة صوت الرّاوي، وهو شبيه نوعًا مَا بفنّ السّينما الآن، إذْ ذكر عادل أبو شنب في كتابه 'مسرح عربي قديم كاراكوز' أنّ "لاعبين صينيّين جاؤوا إلى العراق وكانوا يلعبون خلفَ شارة ألعابًا عجيبة." .
في نفس الإطار، تطوّرت الفرجة الظليّة في القديم وأصبحت تَنقل الوضعَ الاجتماعيّ، وكذلك تصوير الزّخارف الإسلاميّة وفنّ العمارة. ففي بداية الفرجة التّمثيليّة: "يستهلّ المخايلون مناظرَهم بما يشبه قلاعًا من العمارة الإسلاميّة، وكانوا يعرضون عِقدًا زخرفيًّا دقيقَ الصّناعة عُلّقت به الثّريّات والقناديل واصطلحوا على تسميته "القوصرة"، وهي تشبه في بعض الوجوه العقودَ المشهورة في العمارة الإسلاميّة" . أمّا في زمن الإسلام الأوّل أي في صدر الإسلام فقد اقتصرت الطّقوس الفرجويّة على الاحتفالات الدّينيّة مثل عيد الفطر وعيد الاضحى. وقد شهدت الفتراتُ اللاحقة عدّةَ مناسبات أخرى تبلورت فيها فنونُ الفرجة والتّمثيل مثل انتشار فنّ خيال الظّل وقد لاقى رواجًا كبيرًا.
ظهرت معالمُ فرجة جديدة ، مع ظهور الإسلام، وتمّ القضاءُ على عدّة مظاهر فرجويّة كانت قائمةً في العصر الجاهليّ، كما تمّ تحريمُ كلِّ ما من شأنه أن يساهم في عودة الوثنيّة وعبادة الأصنام من قِبل عرب الجزيرة الذين كانوا يعبدون الأصنام بطقوس دينيّة احتفاليّة. كما أنّ الإسلام أيضًا قد "قضى قضاءً حاسمًا وكليًّا على كلّ الأساطير المتعلّقة بهذه العبادات والطّقوس المصاحبة لهذه الأساطير التي كانت تمارَس داخل المعابد بصفة جماعيّة، أو داخل المنازل بصفة ذاتيّة... فحُرّمت كل الممارسات المعبديّة القديمة. كما حُرّمت كلّ الطّقوس القوليّة التي كانت مصاحبةً لها" .
أعطى القضاءُ على المظاهر الاحتفاليّة الوثنيّة المجالَ لبروز مظاهر احتفاليّة مستحدَثة في خضمّ الدّين الجديد؛ حيث ظهرت العديدُ من الجماعات والفِرق التي تتعبّد وتحاول بلوغ الكمال لإرضاء الذّات الإلهيّة. وقد أفرز انتشارُ ثقافة التّديّن عدّةَ مظاهر احتفاليّة دينيّة قائمة على التّصوّف وعلى النّدب والبكاء والذّكر والإنشاد، فأصبحنا بذلك نُولي عنايةً كبيرة لكلّ الفرق، وكذلك المذاهب التي جاءت بهذه الاحتفالات التّعبّدية الطقسيّة. وقد جاء في كتاب فاروق خورشيد 'الموروث الشّعبيّ' : "ونحن في الحقيقة نحتفل بهذه الفِرق احتفالاً كبيرًا لأنّنا نذهب إلى أنّ السّيرة الشّعبية لعبت دورًا هامًا في الحلول محلّ المسرح العربيّ وعطّلت ظهورَه إلى أبعد حدّ" . فالطّرُق التي اعتمدت الاحتفالاتِ الدّينيّةَ والسّيَر الشّعبيّةَ لاقت رواجًا إلى حدّ كبير ما كان سببًا في تعطّل ظهور العروض المسرحيّة كما عرفها اليونان أو الرّومان أو كما عرفناها نحن الآن.
وقد برزت عدّةُ فرق ومذاهب تتميّز بطقوسها التعبديّة مثل التّعازي الشّيعيّة وفرق إسلاميّة أخرى عُرفت بالزّهد والتصوّف والتغنّي بمناجاة الخالق أو بمدح أهمّ الرّموز الدينيّة في الإسلام مثل الرّسول صلى الله عليه وسلّم وعدد من الصحابة وآل البيت كالحسن والحسين على سبيل المثال.
الهادي جدلي