اختر لغتك

مفهوم جريمة الاتجار بالبشر في القانون

مفهوم جريمة الاتجار بالبشر في القانون

يُعد الإتجار بالبشر إحدى الظواهر العالمية التي انتشرت انتشارا ملحوظاً في السنوات الأخيرة. وغالبًا ما يقترن نشاط تلك الظاهرة بالأزمات الناشئة عن النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية، وكذلك في المجتمعات التي تعاني من الفقر والتدهور الحاد في الخدمات الضرورية[1].
 
وهو ما يؤدي بالضرورة لوقوع أعداد كبيرة من البشر تحت خطر الاستغلال من قبل عصابات إجرامية منظمة تعمل على تجنيدهم للعمل في مجال الخدمات الجنسية، والتسول، والممارسات الشبيهة بالرق والاستعباد. بل يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى استغلالهم بالمتاجرة في الأعضاء البشرية والأنسجة وإجراء الاختبارات الطبية. يُعد مرتكبا لجريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة فى شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء في داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية - إذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف.
 
أصبحت ظاهرة الاتجار بالبشر ظاهرة دولية تؤرق المجتمع الدولي، إذ أنها لا تقتصر على دولة واحدة وإنما تمتد لتشمل العديد من الدول نتيجة لكونها أحد أشكال الجريمة المنظمة، إلا أنها تختلف باختلاف صورها وأنماطها من دولة إلى دولة أخرى وفقاً لمفهوم الاتجار بالبشر في تشريعاتها الوطنية، ومدى احترامها لحقوق الإنسان.
 
حيث شهد المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة تصاعد ظاهرة الاتجار بالبشر، فمع تنامي بؤر الصراعات المسلحة سواء الداخلية أو الدولية ووجود كثير من مناطق العالم التي تعاني من الاضطرابات الداخلية، وعدم الاستقرار السياسي وتدهور الأوضاع الاقتصادية، في بعض البلدان لا سيما في بلدان العالم الثالث التي توفر لعصابات الجريمة المنظمة عبر الوطنية ظروف معيشية سهلت وجود موارد متجددة من الضحايا من أجل تحقيق مبالغ طائلة من وراء استغلالهم[1].
 
وأن الاتجار بالبشر يمثل ثالث أكبر تجارة عالمياً بعد تجارة المخدرات وتجارة السلاح[2]، فالنساء والأطفال أهم الضحايا، فالتجار يتخذون من الدول الفقيرة مصدراً للضحايا وتمثل الدول الغنية أسواقاً رائجةً لتجارتهم، حيث أن شبكات الاتجار تمتد عبر الدول، ولا شك بأن هذه التجارة قد تحتل المرتبة الأولى عالمياً في المستقبل، وذلك لأن مخاطرها أقل خطورة من تجارة السلاح وتجارة المخدرات.
 
ولقد اتخذت عصابات الجريمة المنظمة من الحروب والفقر والبطالة بيئة خصبة لممارسة ظاهرة الاتجار بالبشر، لما تدره هذه التجارة على أصحابها من أموال طائلة، الشيء الذي يغذي أكثر انتشار هذه الظاهرة بكل صورها المختلفة.
 
ونظراً لأهمية هذه الظاهرة وخطورتها اتجه معظم الفاعلون الدولية المتمثلة بالدول والمنظمات الدولية الإقليمية إلى تشريع الظاهرة ووضع تعريف عام وشامل لها، وحاولت قدر الإمكان أن يكون التعريف ملم بالظاهرة من كافة جوانبها وأشكالها، بالإضافة إلى الأفعال التي تتم الظاهرة من خلالها كالتجنيد والنقل والإيواء، وغيرها.
 
ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة الاتجار بالبشر لا تأتي من خلال صورة واحدة أو شكل واحد، وإنما تتخذ أشكالاً وصوراً متعددة، وتعدد أشكالها لم يأت من فراغ، وإنما لتحقيق الربح المادي وتعدد مصادر الدخل، ابتدءاً من تجارة الرقيق وانتهاءً بتجارة الأعضاء البشرية، والتي لاقى تجارها بيئة خصبة وعوامل مساعدة كثيرة في مختلف الدول لاسيما الدول النامية منها بسبب الفقر الشديد وتدني مستوى المعيشة فيها، بالإضافة إلى مجموعة من الدوافع والأسباب التي تسهل سير هذه التجارة، والتي سنأتي عليها لاحقاً في الدراسة.كما يُعدّ إكتشاف هذا النوع من الجرائم والتعرّف على ضحاياها أحد التحديات الصعبة في مجال مكافحته، نظرًا لما يحيطه من السرية والكتمان حتى من جانب الضحايا أنفسهم خوفاً من التهديدات التي قد يواجهونها من قبل الجناة، أو خشية توقيع العقوبات عليهم من قبل السلطات في حال اكتشاف هذه الجريمة. وهي الأمور التي دفعت المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده المختلفة لمحاولة التصدي لتلك النوعية من الجرائم عن طريق عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات[2]، وكذلك حث كافة الدول على إصدار تشريعات وطنية[3] تهدف إلى الحدّ من جريمة الإتجار بالبشر، وجبر ضرر ضحاياها وإعادة تأهيلهم.
 
وتعتبر مصر إحدى تلك الدول التي تبنّت إصدار قانون خاص يجرم الإتجار بالبشر بكافة أشكاله وهو القانون رقم 64 لسنة 2010، الذي جاء وفاءً للالتزامات الدولية التي سبق وتم التصديق عليها[4]. في الوقت نفسه، يأتي هذا القانون في ظل غياب أي وعي مجتمعي بتلك الظاهرة أو المشكلات الناتجة عنها والذي يجعل الكثيرين ينفون انتشار تلك الظاهرة في المجتمع المصري.
 
فنجد أن الإتجار بالبشر في مصر يأخذ أشكالا مختلفة وتحت مسميات عدة، أكثرها شيوعًا هي “الزيجات الموسمية” أو”الزواج السياحي” وهي التي تتم من خلال تزويج  فتيات، دون السن القانوني في أغلب الأحيان، لرجال غير مصريين، وغالباً يكونون من دول الخليج وأكبر من الفتاة بفارق عمري كبير‏[5].‏ بالإضافة إلى ظاهرة أطفال الشوارع التي تؤدي إلى استغلال آلاف الأطفال في الدعارة والخدمات الجنسية، وغيرها من أشكال الاستغلال كالعمالة القسرية في المنازل. ذلك إلى جانب  التنظيمات الإجرامية الخاصة بتجارة الأعضاء البشرية التي نشطت في مصر في السنوات الأخيرة، حيث ضبطت مباحث القاهرة في عام 2016 فقط نحو 12 قضية تجارة أعضاء بشرية فى العاصمة وحدها[6].
 
لذا نحاول في هذا المقال، الذي صادف تحريره في اليوم العالمي لمكافحة الإتجار بالبشر[7]، تسليط الضوء على الإطار القانوني لمكافحة هذه الظاهرة في مصر وكيفية تعامل المحاكم معها. وماهية الإشكاليات التي تقف حائلًا دون المضي قُدمًا نحو تحسين آليات مكافحة الإتجار بالبشر.
 
 

آخر الأخبار

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

السينما التونسية تتألق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2024

السينما التونسية تتألق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2024

المنتدى السادس والعشرين لحقائق: السياحة في  المتوسط محور جدل أهل المهنة في الحمامات 

المنتدى السادس والعشرين لحقائق: السياحة في  المتوسط محور جدل أهل المهنة في الحمامات 

نابولي: الأطفال بين السلاح والعنف.. أزمة تهدد جيلًا كاملًا

نابولي: الأطفال بين السلاح والعنف.. أزمة تهدد جيلًا كاملًا

Please publish modules in offcanvas position.