تحليل الصحفي عزيز بن جميع
بنزرت – في افتتاح مهرجان خميس ترنان الدولي، أضاء الفنان الكبير منير المهدي منصة المهرجان بأدائه الفريد وألحانه العذبة، ليعيد للحضور روح "الزمن الجميل" ويثبت مجددًا أنه فنان من طراز الكبار.
مقالات ذات صلة:
منير المهدي: لمسة عبقرية على خشبة المسرح في باردو
هل يكون منير المهدي نجم الحفلات الرمضانية ؟
منير المهدي: أصوات الفن العربي تستعيد بريقها
منير المهدي: صوت فنان يعبر عن عالم الملائكة
لم يكن اختيار منير المهدي لتكريم الأسطورة الموسيقية خميس ترنان محض صدفة؛ بل هو تقدير لمطرب من الصف الأول، يتمتع بصوت استثنائي قادر على الوصول إلى أعماق القلوب. صوت منير يحمل معه إحساسًا يتجاوز الطبقات المعتادة، حيث يستطيع بمهارة فريدة التنقل بين النغمات العالية التي يصعب على غيره تحقيقها، فيتلاعب بها كما يتلاعب لاعب بارع بالكرة، فيقف خلف خميس ترنان خير خلف لخير سلف.
استحوذ المهدي على قلوب الحاضرين، فحوّل الحفل إلى درة موسيقية، تتويجًا لفنه الأصيل وعمقه الراسخ. ما قدمه منير يكرّس مكانة الموسيقى التونسية، ويُعيد إليها جزءًا من بريقها وأصالتها، ليؤكد أن هذا الفن سيظل في أمان بوجود فنانين يعتزون بهويتهم وتراثهم.
وعلى الرغم من ابتعاده عن الضوضاء الإعلامية والظهور البراق، اختار منير المهدي أن يكون مطربًا للإنسان العميق، يغني للنخبة المثقفة ويترفع عن المناسبات الرسمية. فقد غرد بعيدًا عن السرب، مُحققًا إنجازات لم يقترب منها الكثيرون، ليقدّم أعمالاً تلامس "صميم الصميم"، حتى أن أداءه يمكن أن "ينطق الحجر".
في ليلة الافتتاح، غنّى منير أجمل أغاني خميس ترنان، مثل "إذا تغيب عليا يا ولفتي" و"يا لايمي على الزين"، مقدّمًا إياها بلمسته الخاصة ودون أي تقليد، مما جعل الأغاني قطعًا نادرةً من الإتقان الفني. حضور منير لم يقتصر على الأداء؛ بل كان تمثيلاً لتونس العربية وللموسيقى التي تستحق الانتشار دوليًا، حيث كاد يكون ممثلاً في مهرجان جرش بالأردن هذا العام، وهو دليل إضافي على مستواه العربي المتقدم.
إنّ ما يحتاجه جمهورنا اليوم هو موسيقى تصون تراثنا وتنظف آذاننا من ضوضاء العصر. وما قدمه منير المهدي في هذه الليلة هو رسالة فنية تستحق التوثيق، وتحذير بأن الموسيقى ليست مجرد نغمة، بل تاريخٌ وموروثٌ يجب حمايته.
أخيرًا، نرفع الشكر والتقدير لمنير المهدي، هذا الفنان الذي سيُخلّده التاريخ، ويعيد الأمل لكل من يشتاق لمجد الموسيقى التونسية.