ضمن فعاليات الدورة 25 من أيام قرطاج المسرحية، أبدع الفنان الإيطالي باولو مانينا في تقديم عرضه المسرحي العميق "أكامورا أو كل شيء عن أمي"، يوم الأحد 24 نوفمبر 2024، على خشبة دار المسرحي بباردو.
العرض، الذي حمل توقيع مانينا في التأليف والإخراج، شكّل رحلة مؤثرة في أعماق العلاقة المعقدة بين الأم وأبنائها، متناولاً قضايا الحب، التضحية، الندم، والهوية ضمن سياق درامي يحمل بعدًا إنسانيًا عالميًا.
رحلة في ذاكرة ممزقة
تدور أحداث المسرحية حول عائلة ممزقة تبحث عن الخلاص من قيود الماضي. تجسد الأم، التي يؤدي دورها باولو مانينا، شخصية تعاني بين مشاعر الحب العميق تجاه أبنائها والتحديات التي يفرضها الواقع القاسي. في المقابل، يبرز دور الابن الذي أدّاه لويجي ماريا راوسا، وهو محاصر بتساؤلات حول الذنب والهوية، في حين جسدت كاتيا جريكو شخصية الابنة التي تخوض صراعًا داخليًا مع الماضي والحاضر.
بين الألم والأمل
العرض تناول بأسلوب مؤثر ومميز قصصًا عائلية تحمل أبعادًا رمزية حول دور الأم كركيزة أساسية في حياة أبنائها. كلمة "أكامورا"، التي تعني في بعض السياقات حالة أو مكان يرتبط بالفقدان والبحث عن الذات، جاءت كعنوان يعكس جوهر المسرحية.
من خلال الحوار العميق والمشاهد الحسية، أظهر العمل كيف يمكن أن تُشكّل الذكريات والجراح الماضية هوية الفرد، وأبرز التوترات التي تعصف بالعلاقات العائلية وتكشف مدى تأثيرها على الأجيال الجديدة.
ترحيب مانينا بالجمهور: تواصل إنساني عابر للحدود
افتتح مانينا عرضه بترحيب دافئ بالجمهور قائلًا: "مرحبًا بالتونسيين، مرحبًا بالإيطاليين، مرحبًا بالجمهور الدولي للمهرجان." هذا الانفتاح أسهم في خلق جو من الألفة بين الفنان والجمهور، وأضفى على العرض بعدًا إنسانيًا يتجاوز حدود اللغة والثقافة.
في تصريحاته، أشاد مانينا بجمهور أيام قرطاج المسرحية، واصفًا إياه بـ"المتذوق الحقيقي للفن"، وأعرب عن امتنانه للتفاعل الكبير مع العمل، رغم بعد المسافة بين دار المسرحي ووسط العاصمة. كما أثنى على المهرجان كمنصة تعزز الحوار الثقافي وتُثري الحراك الفني العالمي.
لمسات فنية إيطالية مبهرة
العرض هو إنتاج مشترك بين القطب الجنوبي البحر الأبيض المتوسط وTeatro Comunale L'idea، بدعم من Babel/Spazio Franco. تميّز العمل بمشاركة فريق فني إيطالي متكامل:
فابريزيو لوبو لتصميم المناظر الطبيعية.
روبرتا باراجا وفريقها لتصميم الأزياء.
غابرييل سيركو للإضاءة، بإشراف جوليا كوستوماتي.
كما أتاح ترجمة النصوص إلى الفرنسية والإنجليزية، ما جعل العرض متاحًا لجمهور عالمي واسع، مؤكدًا التزامه بتعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب.
"أكامورا": عرض يبقى في الذاكرة
بتقنياته الفنية العالية وأسلوبه الإنساني العميق، شكّل عرض "أكامورا أو كل شيء عن أمي" إحدى أبرز لحظات أيام قرطاج المسرحية لهذا العام. عمل يُعيد التأكيد على قوة المسرح كوسيلة للتواصل الإنساني والتفكير في القضايا العميقة التي توحّد البشر على اختلاف ثقافاتهم.