ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية، قدّم المخرج معز العاشوري مسرحية "روضة العشاق" في مدينة الثقافة يوم الثلاثاء 26 نوفمبر 2024، حيث أخذت هذه المسرحية الجمهور في رحلة صوفية إلى عالم من الصفاء الروحي والتجلي، عبر مزج طقوس التصوف بتقنيات المسرح.
مقالات ذات صلة:
بيت أبو عبد الله: مسرحية عراقية تكشف عن أزمات الوطن من خلال الجسد
أكامورا أو كل شيء عن أمي: دراما إنسانية عابرة للحدود على خشبة أيام قرطاج المسرحية
أيام قرطاج المسرحية في دورتها الـ25: فن مقاومة الظلم في زمن الأزمات
مقاربة بين التصوف والفن المسرحي
تدور أحداث "روضة العشاق" حول مجموعة من المريدين الذين يمارسون تمارين روحانية يقودهم مريد يُلقب بالمريد الصادق. يتم القبض عليهم من قبل الأجهزة الأمنية بتهمة إثارة الفتنة ومحاولة تغيير نمط العيش في المجتمع. ينتشر خبر اعتقالهم مما يثير غضب الشارع، ويتطوع محام للدفاع عنهم، في وضع محرج للمنظومة الأمنية التي تحاول التخفيف من تداعيات الأزمة.
المسرحية تتجاوز النموذج التقليدي للمسرح الاجتماعي والسياسي، لتستكشف أبعادًا صوفية وفكرية روحية، حيث يسلط المخرج معز العاشوري الضوء على المدونة الصوفية التونسية، مقدّمًا رؤية فلسفية عبر تجسيد الرؤى الروحية للطرق الصوفية في قالب مسرحي طقوسي.
لغة شعرية ورحلة بين الأرض والسماء
تعتمد المسرحية على لغة عربية فصيحة، وهو خيار يعيد الاعتبار للغة الأم ويؤكد على غناها وعمق معانيها القادرة على التعبير عن أعمق التجارب الروحية والفكرية. تمثّل هذه اللغة جسرًا بين الزمن والمكان، مما يجعل العمل قادرًا على مخاطبة جمهور اليوم في كل مكان وزمان.
السينوغرافيا: رمزية الحجاب والجوهر
على مستوى السينوغرافيا، اتخذت الستائر الشفافة في المسرحية أكثر من دلالة ورمزية، حيث كانت بمثابة الحجاب الذي يفصل بين عالم المادة وعالم الجوهر. خلف هذه الستائر، يؤدي المريدون طقوسهم ويصلون إلى الذات الإلهية في محاولة للتخلص من أدران الحياة الدنيوية، مما يعزز التجربة الصوفية التي تنشد الطهارة والاتصال بالسمو الروحي.
الصراع بين السلطة والحب
المسرحية تطرح أيضًا صراعًا بين التصوف وسلطة الدولة التي تجد في التصوف تهديدًا لسلطتها، فتحاول تشتيت شمل المريدين والضغط عليهم. ولكن في مواجهة سلطة السياسة، تكون سلطة الحب والعشق الإلهي أقوى. نداء العشق في المسرحية هو أسمى من أي تهديد أو محاولة للشراء، مما يعكس قوة الروح في مواجهة القوى الخارجية التي تحاول تقييدها.
أداء مميز ورؤية إخراجية مبتكرة
الممثلون في "روضة العشاق" قدموا أداء مميزًا في عرض يتراوح بين اللوحات السردية والشعرية، ليعبّروا عن رحلة روحية بين الأرض والسماء، بين العالم الدنيوي والعالم الصوفي. بفضل الإخراج الذكي واختيار النصوص الشاعرية، استطاع العاشوري خلق تجربة مسرحية عميقة تحمل العديد من الأبعاد الفكرية والروحية، مما جعل العرض يتفرد بجوهره الفني.
"روضة العشاق" هي مسرحية تتجاوز الحدود التقليدية، حيث تجمع بين الحب الإلهي والروح الصوفية، وبين التوتر السياسي والاجتماعي. يقدم هذا العرض رؤية فنية جديدة تلامس الروح وتطرح أسئلة وجودية عن معنى الحياة، الحب، والحرية في مواجهة القوى التي تسعى للهيمنة.