الوشم هو فن قديم يمتد تاريخه لآلاف السنين ويشكل جزءًا من التراث الثقافي للعديد من الشعوب. إنه يعبر عن الهوية والثقافة والروحانية للأفراد، وعلى الرغم من تجديد خلايا الجلد باستمرار، إلا أن الوشم يبقى دائمًا على الجلد. في هذا المقال، سنكتشف سر هذا الظاهرة الفنية ونتعرف على العلم والكيمياء والتقنيات التي تجعل الوشم يبقى إلى الأبد.
لماذا يبقى الوشم دائمًا ولا يزول؟
باحثون فرنسيون قاموا بدراسة مذهلة كشفوا فيها عن الإجابة على هذا السؤال الفضولي. عندما يتم رسم وشم على الجلد، يتم إدخال الإبر المستخدمة بدقة داخل طبقات الجلد. تحتوي هذه الإبر على أسطوانة تحمل الحبر، وعند اختراق الإبرة للجلد، يتم حقن الحبر بدقة داخله.
على الرغم من أن خلايا الجلد تتجدد باستمرار في دورة تمتد من أسبوعين للأطفال إلى ما يصل إلى 45 يومًا للبالغين، فإن الوشم لا يزول. السؤال الطبيعي هو: لماذا؟
الدور الذي تلعبه البلاعم:
بمجرد دخول الحبر إلى الجلد، تتحرك خلايا الجهاز المناعي المعروفة بالبلاعم أو المكروفاج إلى منطقة الوشم. تهدف هذه البلاعم إلى التخلص من الجلد الذي اخترقته الخلايا الغريبة وهو الحبر. تقوم هذه البلاعم بأكل الحبر، وعلى الرغم من ذلك، إلا أنها تموت وتطلق الحبر مرة أخرى في طبقة الجلد. ثم تأتي بلاعم أخرى لتكرار العملية.
الدور الحاسم للبلاعم في بقاء الوشم:
هذا الدور الحاسم للبلاعم يعني أن نقاط الحبر المجهرية تنتقل من جيل من البلاعم إلى جيل آخر، وهذه العملية تكاد تكون لا نهائية. هذا ما توصل إليه بحث نشر في مجلة الطب التجريبي Journal of Experimental Medicine.
دراسة فرنسية تؤكد صحة هذا التفسير:
قامت الباحثة آنا بارانسكا من معهد الأبحاث الفرنسي INSERM في مرسيليا بدراسة مع فريق من الباحثين. وقد أثبتوا أن جزيئات صبغة الوشم يمكن أن تخضع لدورات متتالية من الالتقاط والإطلاق والاستعادة دون أن يختفي أي وشم. قاموا بتجارب تهدف إلى فهم كيفية عمل الخلايا المناعية في جلد الفئران عن طريق إنشاء فئران معدلة وراثيًا.
تاريخ الوشم:
تمتد تاريخ الوشم لآلاف السنين وتتداخل مع تطور الثقافات والتقنيات عبر العصور. تم العثور على أقدم دليل على الوشوم بموقع أثري في عين غزال بالأردن، حيث عُثر على تماثيل قديمة محملة برموز ووشوم تعود إلى 8 آلاف سنة قبل الميلاد.
الوشم في العصور القديمة:
مصر ونوبة: في العصور القديمة في مصر ونوبة، كان الوشم يستخدم كطقوس دينية ووسيلة للتعبير عن الهويات الثقافية والاجتماعية.
الهند: تمتلك الهند تاريخًا غنيًا في فن الوشم، حيث استخدم الوشم للتعبير عن الهويات الدينية والروحانية والاجتماعية.
الوشم في العصور الوسطى:
اليابان والصين: في اليابان والصين القديمتين، تم استخدام الوشم للتعبير عن الانتماء والولاء وكان له دور في عقوبات الجريمة.
أوروبا: في القرن الثامن عشر في أوروبا، ارتبط الوشم بعصابات الجريمة والأفراد المنبوذين.
الوشم في العصر الحديث:
شهد القرن التاسع عشر والعشرون تطورًا كبيرًا في تقنيات الوشم وأساليبه. أصبح الوشم ثقافة شائعة، وتنوعت الرموز والأساليب بشكل كبير.
الوشم ليس مجرد رسم على الجلد، بل هو تعبير عن الهوية والثقافة والتاريخ. سر بقاء الوشم يكمن في الدور الحاسم الذي تلعبه البلاعم في الحفاظ على نقاط الحبر داخل الجلد على مر الأجيال. تاريخ الوشم يعكس تطور البشرية وتنوعها عبر العصور، مما يجعله جزءًا مهمًا من تراثنا الثقافي.