في كل يوم، تموت مليارات الخلايا داخل الجسم البشري، بعضها يموت في صخب بسبب إصابة أو عدوى، بينما يتلاشى البعض الآخر في صمت نتيجة دورة حياة طبيعية. ولكن خلال العقدين الماضيين، توصل العلماء إلى أن هناك أكثر من عشرين طريقة لموت الخلايا، تتفاوت بحسب الظروف التي يتعرض لها الجسم والأمراض التي يواجهها.
مقالات ذات صلة:
اختراق طبي: إيقاف نمو الأجنة البشرية مؤقتاً لزيادة فرص نجاح التلقيح الصناعي
الشركة التونسية للصناعات الصيدلية تستأنف نشاطها مع تركيز على إنتاج المحاليل الوريدية
ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلق خدماتها بسبب غارات إسرائيلية مكثفة
لقد كان يعتقد العلماء سابقاً أن الخلايا تموت إما جراء حوادث خارجية أو بشكل منظم بعد انتهاء دورة حياتها. غير أن الأبحاث كشفت عن سيناريوهات متعددة لموت الخلايا، تختلف بناءً على أنواع العدوى أو الأمراض المناعية وحتى السرطان. ويُعَتقد أن فهم هذه الآليات المتعددة يمكن أن يسهم في إنقاذ الخلايا السليمة والقضاء على الخلايا المريضة، مما يفتح أبواباً لعلاجات جديدة.
يقول مايكل أوفرهولتزر، الباحث في مجال أحياء الخلايا في مركز سلون كيترينج التذكاري لعلاج السرطان في نيويورك: "هناك طرق كثيرة لموت الخلايا"، مشيرًا إلى أن بعض الخلايا تموت بسبب تنخر، وهو موت غير مبرمج يحدث نتيجة حوادث أو إصابات خارجية، فيما تموت أخرى بفضل الموت المبرمج الذي يحدث بشكل هادئ ومنظم، بدون أن يثير أي استجابة مناعية.
أحد الاكتشافات المثيرة هو طريقة جديدة لموت الخلايا تُسمى "necroptosis"، التي تم الكشف عنها في عام 1998، حيث تموت الخلايا بطريقة غير منظمة بعد أن تتمدد مكوناتها الداخلية ثم تنفجر. هذه الآلية تُعتبر خطة احتياطية لمقاومة بعض أنواع الفيروسات التي تمنع الخلايا من الموت بشكل طبيعي.
وفي عام 2001، تم الكشف عن طريقة أخرى لموت الخلايا تُسمى "pyroptosis" أو الموت الخلوي الحمي المبرمج، وهي آلية يتم تنشيطها عندما تتعرض الخلية لعدوى بكتيرية. في هذا النوع من الموت، تنتفخ الخلية وتطلق إنزيمات معينة، مما يحفز استجابة مناعية ويؤدي إلى الحمى، وهي جزء من آلية الجسم للدفاع ضد المرض.
الباحثون في مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال في مدينة ممفيس، بقيادة ثيرومالا ديفي كانيجانتي، اكتشفوا نوعاً جديداً من موت الخلايا يُسمى "PANoptosis"، وهو موت هجين يجمع بين عدة أنواع من آليات الموت الخلوي ويحدث في بعض أنواع العدوى والالتهابات وحتى السرطان.
هذا التنوع في أشكال موت الخلايا يعكس ما يعتبره العلماء "حرب تسلح" بين النظام المناعي والميكروبات، حيث تسعى الميكروبات إلى منع موت الخلايا للبقاء والتكاثر، بينما تحارب الخلايا ضد هذا الخطر عبر التضحية بنفسها لتنبيه الجسم وإطلاق استجابة مناعية.
هذا الفهم الجديد لموت الخلايا يُعد خطوة مهمة نحو تطوير علاجات ثورية للأمراض، حيث يمكن تسخير هذه الآليات للحفاظ على الخلايا السليمة واستهداف الخلايا المريضة بشكل أكثر دقة وفعالية.
