اختر لغتك

التعشيب ودوره في تنمية المجموعات الوثائقية بالمكتبات العمومية

التعشيب ودوره في تنمية المجموعات الوثائقية بالمكتبات العمومية

بقلم: نورالدين مزهود -كاهية مدير المطالعة العمومية بالمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسليانة 

تعد المكتبة العمومية من المؤسسات الثقافية الهامة في حياة المجتمع لما لها من دور فعال في إتاحة فرصة الثقافة المستمرة للفرد من خلال توفير مصادر المعلومات المختلفة من أجل التنمية الثقافية للمواطنين والمساهمة في تطويرهم علميا ومهنيا واستغلال أوقات الفراغ في الأنشطة والمجالات النافعة، وحتى تقوم بهذا الدور المجتمعي لابد أن يتوفر بالمكتبة رصيد هام  وثري من أوعية المعلومات يلبي حاجيات جميع شرائح المجتمع.

مقالات ذات صلة:

دراسة حديثة: خلفية شاشة الكمبيوتر قد تكون سببًا لإرهاق الفيديو كونفرانس

الوشم: دراسة عميقة في تأثيراته الدينية والصحية وعواقبه على التبرع بالدم

دراسة: ممارسة الرياضة يوميًا في المدارس تقلل من خطر الإصابة بالسرطان

ومن هذا المنطلق وحتى تُجسد المكتبة الأهداف التي تأسست من أجلها بطريقة ناجعة،  ليس عند الإنشاء فحسب بل على امتداد وجودها ، عليها أن تشتمل على رصيد وثائقي جامع لكل المعارف الإنسانية وتعمل على تجديده دوريا وكل ما اقتضت الحاجة لذلك متبعة في ذلك سياسة واضحة لتنمية المجموعات وأيضا إجراءات فعالة وناجعة لتعشيب الرصيد من حين لآخر .
  في هذا المقال البسيط سنحاول تسليط الضوء على قيمة تنمية المجموعات الوثائقية و عملية التعشيب في المكتبات العمومية  نظرا لأهميتهما في نجاح مهام المكتبة وتحقيق أهدافها. 
 1- سياسة تنمية المجموعات الوثائقية: 
    تعد الوثائق  بمختلف أشكالها وأوعيتها العمود الفقري لتركيز مكتبة باعتبارها المكون الأساسي لها فبدونها لا بمكن الحديث عن مكتبة أو مركز معلومات لهذا على المهنيين إعداد مخطط وإستراتيجية، تعتمد على دراسة المحيط الذي توجد به المكتبة لاختيار نوعية الوثائق التي تستجيب لحاجيات المستفيدين بمختلف أعمارهم ومستوياتهم العلمية والثقافية، فما يميز مكتبة عن أخرى ليس حجم المكتبة، ضخامتها، حجم رصيدها، الرصيد البشري الذي يديرها وغير ذلك، إنما نوعية محتوى المجموعات الوثائقية التي بحوزتها وما مدى استجابتها لاهتمامات روادها، فأغلب المكتبات تتشابه في عديد النواحي منها المعالجة الفنية، الخدمات التي تقدمها والأنشطة، لكن تظل المجموعات الوثائقية محورا أساسيا في تميز مكتبة عن أخرى وعلى هذا الأساس لابد من الاهتمام بنوعية الوثائق التي تقتنيها المكتبة بناء على سياسة تنمية المجموعات الوثائقية التي تم إعدادها مسبقا ومراجعتها بصفة دورية حرصا منها على تطوير رصيدها بما يتلاءم والتطور الحاصل في مجال المكتبات لأن المكتبة هي فضاء حي متنامي.
   لقدعرف الاتحاد الدولي لجمعيات  ومؤسسات المكتبات  سياسة تنمية المجموعات الوثائقية بأنها الدليل الإرشادي في كل إجراء من إجراءات التزويد التي تشمل الاختيار، الاقتناء، المعالجة الفنية، تكامل المجموعات، التعشيب والحفظ، الاستبعاد والحذف
 مديرة المكتبة البلدية (Lyne Cadieux)كما عرفت لين كاديو
سياسة تنمية المجموعات الوثائقية بأنها  "نص مرجعي يعرض المبادئ والمعايير التي تُوجه اختيار وثائق المكتبة وطريقة الحصول عليها ومعالجتها. إنها في المقام الأول أداة إدارية تستهدف موظفي المكتبة وتسمح لهم بتخطيط وتنظيم وتوجيه ومراقبة تطوير المجموعات بهدف الحفاظ على التماسك والاستمرارية في تكوين المجموعة الوثائقية بالمكتبة." 
من خلال هذه التعريفات وغيرها يمكن أن نقول أن سياسة تنمية المجموعات تحدد الخطوط العريضة الواجب اتباعها في مجال الاختيار والاقتناء والاستبعاد، والغرض من ذلك هو تكوين مجموعات ذات قيمة تستجيب لحاجيات المستفيدين ، لهذا عند اعداد المخطط لسياسة تنمية المجموعات لابد من طرح أسئلة وهي: ماذا نقتني ؟ لمن نقتني ؟ لماذا نقتني ؟ كيف نقتني؟ .
   أهداف سياسة تنمية المجموعات الوثائقية:
*تحديد نوعية المجموعات
*    تدريب المسؤولين فن الاختيار والتزويد
*    تحديد احتياجات المستفيدين التي تم رصدها
 *   الحرص على أن تكون الكتب والمراجع التي تم اختيارها تحقق أهداف المكتبة ومناسبة لاحتياجات المستفيدين
  *وضع معايير وشروط قبول المواد التي تصل للمكتبة عن طريق الإهداء والتبادل ومدى ما يمكن أنتحققه هذه المواد من تكامل ودعم للمجموعات المكتبية الحالية
*  التقيد بالمعايير الصادرة عن لجنة إعداد سياسة تنمية المجموعات
 * تحديد نسبة  التعشيب والاستبعاد  في المجموعات المكتبية وفقاً لضوابط تحدد بكل دقة من قبل المختصين في ذلك
  اعتمادا على ما تقدم، كيف يمكن للتعشيب أن يلعب دورا فاعلا في تنمية المجموعات الوثائقية ؟
وللإجابة  عن هذا السؤال لابد من بعض المعطيات حول التعشيب.
2- التعشيب:
 التعشيب لغويا  مصدر الفعل عشّب ، ويقصد به إزالة الأعشاب الضارة كما يراد به أيضا مصطلح التنقية، أما في مجال المكتبات فهو عملية تقييم لمقتنيات المكتبة قصد الاستبعاد الوقتي أو الدائم لبعض المواد المكتبية التي لم تعد ذا قيمة معلوماتية حيث تقادم محتواها الأمر الذي يقلل من استخدامها إذ تصبح عبأ في إشغال حيز من فضاء المكتبة، وقد عرف الدكتور " جمال بدير"  التعشيب على أنه يتمثل في مراجعة مجموعات المكتبة للتأكد من أنها تستخدم  فعلا وذات فاعلية وإن هناك توازنا بين المجموعات وعدم وجود ثغرات معينة في جانب أو آخر 
وحتى نتمكن من فهم  ودراسة هذا العنصر الهام في خدمات المكتبة علينا الرجوع إلى تاريخ ظهوره 
 نبذة تاريخية حول التعشيب:
تعود البدايات  الأولى لظهور عملية التعشيب إلى بداية القرن 18 حيث نادى المهتمين بنشر المعرفة بضرورة اختيار الكتب المهمة وتصفية المكتبات من جميع النصوص القديمة والغير مجدية، ثم انطلقت ممارسة عملية التعشيب في القرن 20 عندما قامت مكتبة للمتحف البيداغوجي بفرنسا سنة 1904 بتجديد مجموعاتها واستبعاد النصوص القديمة والكتب الغير مستخدمة، وانطلاقا من هذه التجربة بدأت تنتشر عملية التعشيب في المكتبات سنة 1915 بصفة رسمية وأصبحت عملية فنية ضمن العمليات المكتبية تستهدف المقتنيات الموجهة للقراء.
   وبالنسبة للتجربة الأمريكية فقد قام رئيس جامعة هار فارد سنة 1902 بوضع الأسس الأولى لعملية التعشيب والتي حملت عنوان ( اختيار واستبعاد الكتب غير المستعملة )، أما سنة 1940 بدأت هذه العملية تنتشر كوظيفة أساسية وسط المكتبات لها أسسها وطرقها . وبالنسبة لفرنسا فقد بدأ يُمارسُ عندما طلبت مديرة  مكتبة المطالعة العامة من السيد  أن  يُوضح بعض التوجيهات لطرق المقتنيات سنة 1975 وأعلن بصفة رسمية وجوب القيام  بهذه العملية بفرسنا  سنة 1977 لتفادي مشاكل التخزين وللمحافظة على التجديد المستمر للمقتنيات، وبهذا نستطيع القول أن مصطلح التعشيب وجد لنفسه مكانا ضمن السلسلة الوثائقية بين الفترة ( 1980-1990 ) وأصبح ضروريا له طرقه ومناهجه العلمية وأهدافه.
  أسباب التعشيب: 
  ظهور مصطلح التعشيب ليس اعتباطيا بل هناك عديد العوامل التي ساهمت في ذلك نذكر منها: التصرف في الفضاء، تقادم الوثائق من حيث المحتوى والشكل، التركيز على النوعية عوضا عن الكمية عند الاقتناء، مواكبة التطور العلمي، تطور المجتمع ومراعاة المستوى الثقافي للأفرادوغيرها من الأسباب التي تهدف إلى تنمية الرصيد المناسب للمكتبة حتى تتمكن من الاستجابة إلى حاجيات روادها مواكبة لتطورات العصر وما نتج عنه من معلومات حديثة 
   ومن هذا المنطلق نلاحظ الترابط الوثيق بين سياسة تنمية المجموعات الوثائقية، وبناء عليه فإن التعشسب يساهم بشكل هام في إعادة تشكيل المجموعات الوثائقية وإعادة بناء الرصيد المعرفي للمكتبة طبقا لأهداف تم ضبطها مسبقا، وحتى تكون عملية التعشيب ناجعة لابد أن تُبنى على أسس علمية ترتكز بالأساس على دورية مراجعة الرصيد، تخصيص وقت معين للتعشيب، المعرفة الشاملة لمحتوى الرصيد الوثائقي.  .... هذه الأسس وغيرها  تمكن القائم بالتعشيب من أداء  مهمته بكل دقة 
       وإذا صرحنا بأن التعشيب هو عملية مراجعة دورية للرصيد الوثائقي، فهذا يعني بالضرورة دراسة الوثائق المُقتناة سابقا ومراجعة مدى قيمتها من حيث الشكل والمضمون وهل تتلاءم وطلبات الرواد الدائمين والمحتملين  باعتبار وأن المجتمع متغير تبعا لتطورات العصر وطلباته تتزايد وتتنوع باستمرار
      خلال مراجعة الرصيد دوريا يقع إحصاء الكتب التالفة، الكتب المتكررة، الكتب التي لم يتم استعمالها لمدة طويلة، القيمة العلمية للكتب. وبعد هذه المراجعة يتم تحديد مآل الكتب التي سيقع استبعادها بناءا على معايير وقع ضبطها مسبقا. 
    هذه المراجعة تُمكن المهنيين من : ربح مساحة إضافية داخل الرفوف، جعل المجموعات أكثر جاذبية داخل فضاء المكتبة من خلال إعادة تنظيم الرصيد، ظهور النقص في المجموعات الوثائقية داخل كل قسم معرفي للمكتبة وإجمالا تتم مراجعة وتقييم الرصيد المعرفي للمكتبة بهدف معرفة نقاط القوة والضعف بها  من خلال فحص الكتب فحصا دقيقا لمعرفة أهليتها للبقاء ضمن الرصيد الوثائقي ومن ثمة  يقع تعديل سياسة تطوير المجموعات الوثائقية ، وهنا يبرز دور التعشيب في تنمية المجموعات  الوثائقية إذ أنه سيقع اقتناء رصيد إضافي للمكتبة بناء على ما تمت ملاحظته خلال عملية المراجعة، سواء من حيث النقص في الرصيد على مستوى قيمة ونوعية المعلومات التي تستجيب لحاجيات المستفيدين مواكبة للعصر أو من حيث عدد الكتب التي تم سحبها مؤقتا أو حذفها نهائيا لأسباب مادية مثل التلف، والتقادم  والعدد الكبير من النسخ.
الخلاصة:
  يتبين لنا من خلال ما تقدم ولو بإيجاز أن التعشيب عملية هامة ضمن العمليات الفنية للمكتبة حيث تمكن المهنيين من معرفة محتوى رصيد المكتبة خلال تصفح الكتب أثناء عملية المراجعة، ترشيد عملية التزويد والاقتناء المستقبلية بناء على الملاحظات التي تم تدوينها، إثراء الرصيد المعرفي للمكتبة، تحسين سمعة المكتبة والرفع من مستوى ثقة المستفيدين و احداث ديناميكية مستمرة على الرصيد وو .....  وعليه لابد لنا من إعطاء المكانة اللازمة للتعشيب  باعتماد معايير مدروسة وعليمة دون الوقوع في العمل العشوائي والاعتباطي والذي يضر رصيد المكتبة ولا ينفعها .

آخر الأخبار

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

أيام تحسيسية مشتركة لدعم انتقال المجامع التنموية النسائية إلى شركات أهلية

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

حين يلتقي النقيضان: أطول امرأة في العالم وأقصرهن يتقاسمان لحظة لا تُنسى!

السينما التونسية تتألق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2024

السينما التونسية تتألق في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2024

المنتدى السادس والعشرين لحقائق: السياحة في  المتوسط محور جدل أهل المهنة في الحمامات 

المنتدى السادس والعشرين لحقائق: السياحة في  المتوسط محور جدل أهل المهنة في الحمامات 

نابولي: الأطفال بين السلاح والعنف.. أزمة تهدد جيلًا كاملًا

نابولي: الأطفال بين السلاح والعنف.. أزمة تهدد جيلًا كاملًا

Please publish modules in offcanvas position.