بقلم نورالدين مزهود: كاهية مدير المطالعة العمومية المندوبية الجهوية للثقافة بسليانة
لقد تأسست الإدارات العمومية،بمختلف مهامها، لخدمة الإنسان وقضاء حاجته عندما يتقدم لطلبها وقد صُمِّمَت تصميما هندسيا بناءا على الخدمات التي ستُوفرها للمواطن من خلال مجموعة من المصالح الإدارية التي تضمها، وحتى تقوم بدورها على أحسن وجه وتُقدم الخدمات المطلوبة في أسرع وقت، ارتأى المختصون في الشأن الإداري أن تتوفر بكل إدارة عمومية قسما خاصا بالتوجيه والإرشاد تيسيرا لعمل الإدارة من جهة وتلبية حاجيات الزائرين من جهة أخرى ، هذا القسم يسمى قسم " الاستقبال " الذي يعتبر المرآة العاكسة لمستوى الخدمات لأي إدارة باعتباره الواجهة الأولى للتواصل مع الوافدين عليها، ومن هذا المنطلق واعتبارا أن المكتبة العمومية مؤسّسة إدارية ذات خدمات متعددة موجهة لجميع المواطنين باختلاف مستوياتهم، فهي أيضا تحتوي ضمن أقسامها قسم الاستقبال،و نظرا لقيمته في العمل المكتبي خاصة في استقطاب الرواد سنحاول التطرق للحديث عن دوره في الترغيب في المطالعة.
1-تعريف الاستقبال:
يعد الاستقبال في المكتبات العمومية من أهم الأقسام باعتباره الواجهة الأولى التي تربط بين المستفيد والمكتبة إذ يعتبر النشاط الأكثر وضوحا للجمهور الوافد على المكتبة والأكثر مشاركة من قبل أعوان المكتبة، لذا يجب أن ننتبه له بشدة، خاصة وأن كل فرد من طاقم العمل يكون في حالة استقبال، مهما كانت وظيفته ورتبته. يجب أن تكون المكتبة بأكملها مشبعة بهذا الاهتمام، إذ لا يقتصر الأمر على تنفيذ عمليات المعلومات وإعارة المستندات فحسب، بل يتعلق الأمر بإعداد عملية كاملة لخدمة الجمهور، وفي موسوعة wikipedia نجد أن "الاستقبال بصفة عامة هو احتفال مخصص للوافدين، ويتألف عمومًا من الترحيب بهم وتسهيل اندماجهم."أما في مجال المكتبات وحسببرتراندكالينج فإن الاستقبال المكتبي يقوم بالوظائف التالية: الاستماع، والإغواء، وضمان الأمن، والرفاهية، وإدارة التدفق،أي :
-السماع والتأكد من أن كل مستخدم يشعر بالاستماع إليه، مهما كان طلبه.
- إقناع الجمهور بأن المكتبة موجودة لهم، من خلال وضعية الاستقبال النشطة والديناميكية .
- التأكد من أمن المبنى لكسب ثقة المستخدمين.
- تلبية الحاجة إلى الراحة، أي توفير المعدات الكافية، حيث يمكنك العمل والقراءة في ظروف مناسبة (الأثاث، والإضاءة).وبالتالي فإن الاستقبال يتخلل عمل المكتبة بالكامل (الأثاث، ووثائق المعلومات، واللافتات، وما إلى ذلك). لهذا فإن مهمة عون الاستقبال هي جعل المستخدمين على اتصال بمجموعات المكتبة وكامل خدماتها. أما نيك ديناميت Nick Dinamit في عمله الذي يعود تاريخه إلى عام 1997 بعنوان " الاستقبال " فقد عرف الاستقبال على أنه الاستجابة التي تقدمها مجموعة لطلب المعلومات أو الاستماع أو الخدمة أو المساعدة للمستخدمين.
من خلال هذه التعريفات وغيرها نستخلص أن الاستقبال هو عملية مندمجة في جميع أقسام المكتبة حيث أن كل قسم من أقسام المكتبة في علاقة مباشرة ومستمرة مع المستفيدين، وعليه فإن كل عون مطالب بإتقان فن التواصل والترحيب وذلك من أجل توفير ظروف ملائمة لاستقطاب الرواد . وحتى يؤدي الاستقبال دوره كما يجب، نعتقد أنه من الضروري التركيز على عنصران هامان اللذان من شأنهما أن يساهما يشكل كبير في الترغيب في المطالعة واستقطاب الرواد وجعل المكتبة قِبلة لهم باستمرار. وهذان العنصران هما: الإطار المادي والإطار البشريللاستقبال
* الإطار المادي للاستقبال:
من المعلوم أن تهيئة فضاء المكتبة وتوفير الأجهزة الضرورية من ابرز العمليات التي تساهم في الترغيب في المطالعة وتعتبر منطقة الاستقبال مهمة جدا باعتبارهاالواجهة الأولى للترحيب بالمستفيدين فيجب أن يكون المكان في المدخل ومدروسا بدقة ومريحا خلال التصميم الهندسي حتى يسمح للوافدين من الاستفادة من المبنى دون صعوبة.، بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون الاستقبال في مكان هادئ وفي نفس الوقت يسمح للمستفيد من أن يعبر عن حاجته دون خوف من إزعاج الرواد في بقية الأقسام، لأن مسألة الضجيج في المكتبة غير مرغوب فيه ويُقلق راحة القراء، لهذا ندعو إلى ضرورة الانتباه إلى هذه النقطة عند تصميم مباني المكتبات ومراعاة خصوصيات خدماتها، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، القاعة ذات السقف المرتفع تساهم في تضخيم الأصوات وخلق صدى داخل أقسام المكتبة الذي نحن في غنى عنه، كما نلفت الانتباه إلى أن مكتب الاستقبال يجب أن يكون متساويا مع أرضية المكتبة ككل أي أن لا يكون هناك مدرجا للوصول إليه لكي يكون التواصل بين عون الاستقبال والمستفيد تواصلا أفقيا لا عموديا حتى لا يصبح حاجزا أو مصدر خوفا للمستفيد أو يسبب له الشعور بالاحتقار . بالإضافة إلى البناية، نحن نعلم أن الاستقبال هو مكان مرور إلزامي ويُشكل نقطة رابطة بين المستفيدين وبقية أقسام المكتبة ويلعب دورا مهما في توجيه القراء يجب أن يحتوي على كافة اللافتات التوجيهيةالداخلية للمكتبة، والتي تُعتبر بمثابة عقد بين المستخدم والمؤسسة لهذا لابد أن تكون معروفة للجميع ومعروضة ومعلنة ومحترمة، ويُعد دليل القارئ احد الأداة الأساسية الذي يتم تصميمه بناءا على الخدمات التي تقدمها المكتبة وكافة المعطيات التي تحقق أكبر قدر من سهولة قراءة محتواه بالإضافة إلى شكله وطريقة عرضه للعموم بالتوازي مع بقية اللافتات التوجيهية .
* الإطار البشري للاستقبال:
اعتبارا لما يتسم به الاستقبال من أهمية قصوى في الترغيب في المطالعة وما يترتب عنه إن كان استقبالا جيدا أو سيئا فإنه يمثل بالأساس العلاقة الإنسانية التي تنشأ بين أولئك الذين يُرَحِّبُونَ والذين يُرَحَّبُونَ بهم. والاستقبال الجيد يعني الاستجابة لطلبات المستفيدين الدائمين أو العرضين ويعمل على استقطاب هؤلاء العرضين حتى يصبحوا دائمي التردد على المكتبة بالإضافة إلى معرفة كيفية التعرف على احتياجات وممارسات وسلوكيات جماهير متنوعة للغاية (من كبار السن إلى مجموعةمن الأطفال والمراهقين، ومن العاطلين عن العمل إلى الباحثين، وما إلى ذلك، بمعنى معرفة كيفية التعامل معهم واستقبالهم وذلك من باب الترغيب في التردد على المكتبة والاستفادة من خدماتها وما توفره من رصيد ثري بالمعلومات. وكذلك معرفة كيفية التوجيه واستخدام أدلة الإرشاد، أما إذا كان الاستقبال سيء فهذا سيؤدي إلى فشل المكتبة في أداء دورها وتحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها، لهذا علينا أن ندرك صعوبة مهمة عون الاستقبال وعليه لابد من مواصفات معينة حتى يُقدم ما هو مطلوب منه لكي تثبت المكتبة وجودها وتستجيب لكافة طلبات مستفيديها ويمكن أن نلخص هذه المواصفات في النقاط التالية:
- الرغبة في العمل وحب خدمة الآخرين :حتى ينجح عون الاستقبال عليه أن يكون مقتنعا بالدور الذي يقوم به وما مدى أهميته وله الرغبة في القيام بذلك دون قيد أو شرط خاصة وأن خدمة الآخر من شأنها أن يجلب احترامهم وترفع من مكانته لديهم .
- المستوى العلمي :حتى يتمكن عون الاستقبال في المكتبة ناجحا في عمله يجب أن يكون ذا مستويات ومؤهلات علمية مرموقة باعتبار وأنه يستقبل يوميا مستويات علمية مختلفة وعليه أن يكون قادرا على التواصل معه بالإضافة على معرفته بأقسام المكتبة وخدماتها حتى يتمكن من توجه هؤلاء المستفيدين التوجيه الدقيق،
-التواصل: إن مفهوم الاستقبال يتضمن بالأساس عنصر التواصل باعتبار أن هناك مستفيد وعون استقبال ويتم بينهما تواصل مباشر الذي سيؤدي رمزيا إلى صورة المكتبة بمعنى أن المستفيد سَيُكَوِّنُ فكرة أولية على خدماتهالهذا على عون الاستقبال أن يكون قادرا على إتقان فن التواصل الجيد مع المستفيدين لأنه من خلاله سيسعى لتكوين رابطة متينة مع الرواد باعتبار وأن عون الاستقبال هو الواسطة بين المستفيد وخدمات المكتبة.يجب أن يكون لدى موظف الاستقبال مهارات جيدة في التواصل مع المستفيدين والزملاء، لهذا يُعتبر فسح المجال للآخرين للحديث دون مقاطعتهم إحدى أهم مهارات التواصل المرتبطة بالاحترام.
-الاستماع:من المهم أن يكون موظف الاستقبال مستمعاً جيداً هذه الصفة ستُمكنه من الرد على جميع التساؤلات بكل دقة، كمايعتبر الاستماع والإنصات دليل على احترامه للمستفيد مما يجعله يشعر براحة نفسية التي ستمكنه من التعبير عن تساؤلاته بكل أريحية، لهذا فالاستماع الجيد ضروري لوظيفة الاستقبال في المكتبة حتى يكون العون أكثر فاعلية وقدرة على الاستجابة لطلبات الرواد بكل اقتدار وبالتالي ترغيب الرواد في المطالعة.
-اللطف والابتسامة: أثناء التعامل مع المستفيدين، ترد على عون الاستقبال العديد من التساؤلات تختلف من شخص لآخر وعلى عون الاستقبال أن يكون متسمًا باللطف والابتسامة ويتعامل مع كل شخص على أنه أهم شخص مهما كانت نوعية الأسئلة المطروحة
- سرعة البديهة والذكاء والانتباه الدائم: هذه الصفة ستمكن عون الاستقبال من استيعاب كافة التساؤلات المطروحة من قبل المستفيدين وبالتالي الاستجابة لهم بكل يسر خاصة ، كما ذكرنا أن رواد المكتبات، متنوعة الطلبات تبعا لاختلافهم على المستويات العلمية
-المعرفة المهنية: يجب على عون الاستقبال أن يكون ملما بكافة خدمات المكتبة وإجراءات الاستفادة منها ويعرف جيدا تفاصيل أقسامها ومختلف العمليات الفنية التي تُقام داخل كل قسم، وبهذا يستطيع أن يوجه المستفيدين التوجيه الدقيق.
- الثقة بالنفس :إن الثقة بالنفس والقدرة على آداء أي عمل من شأنها أن تساهم في القيام به مهما كانت صعوبته، ولهذا فعون الاستقبال في المكتبات عليه أن يكون واثقا بنفسه للقيام بهذه المهمة بكل اقتدار مستعينا بإمكانياته العلمية والاجتماعية والنفسية.
- واللباقة:نقصد بهذه الصفة كيفية التعامل مع كل أنواع المستفيدين الوافدين على المكتبة والترحيب بكل تساؤلاتهم وفهمها حتى وإن كانت غامضة وإيجاد الحلول السريعة لها ويحاول عون الاستقبال أن يستجيب لكل الطلبات دون استثناء وهذا ما سيجعل الرواد في رضا تام عن الخدمات المسداة لهم الشيء الذي سيجعلهم يترددون على المكتبة وهو الهدف المنشود لكل عمل مكتبي .
- الحركية والنشاط: يجب على عون الاستقبال في المكتبات أن يكون حركي ونشيط ولا يقتصر عمله وهو جالس على كرسي بل من الضروري عليه أن يكون جاهزا لإعانة الوافدين الجدد ومرافقتهم للوصول إلى الخدمة الذين يبحثون عنها، وهذه المهارة ستخلق نوع من المودة والاحترام المتبادل بينه وبين الرواد مما سيُؤدي إلى رضاهم التام على عمل المكتبة.
بالإضافة إلى هذه المهارات يجب على عون الاستقبال أن يواكب تطورات العصر وفقا للنظم المعلوماتية الجديدة حيث يجب عليه معرفة استعمال الحاسوب وكل التطبيقات الخاصة بالاستقبال والخدمات المكتبية وقادرا على التحكم في التكنولوجيا الحديثة ويجيد استعمالها.
- اللباس والسلوك :يجب على عون الاستقبال أن يتمتع بمجموعة من السلوكيات والوظائف التي يمليه عليه العمل الإداري والتي ستُمكنه من التعامل مع المستفيدين بكل اقتدار، ومن بينها المظهر اللائق والهندام اللذان يعتبران من الواجبات المحمولة عليه لذا من المهم الحفاظ على مظهر احترافي وإظهار موقف إيجابي وترحيبي. يتضمن ذلك ارتداء الملابس بشكل مناسب لمكان العمل والحفاظ على مظهر أنيق ومرتب حتى يجلب الاحترام لشخصة وللمكتبة ككل من ناحية ويبعث في المستفيدين الشعور بالترحيب والتقدير والاعتناء بهم. من ناحية أخرى مما يساعد على تهيئة بيئة مهنية تعزز الثقة في المكتبة.
2- وظائف الاستقبال:
اعتبارا لأهميته في عمل المكتبات ، فإن الاستقبال له عدة وظائف أساسية عمل المختصون على تحديدها في النقاط التالية:
*الترغيب: حيث يجب أن نجعل المستفيد يرغب في التردد واستخدام المكتبة مما يمنحه الشعور بأنها ضرورية لاحتياجاته من المعلومات.
*الأمـــــــــــان: يجب أن يوفر الاستقبال للمستفيدين الشعور بالأمان وهو شعور مشترك بين جميع أقسام المكتبة الذي من شأنه أن يُرسّخ الثقة بين أعوان المكتبة والمستفيدين.
* الدقة في الإرشاد والتوجيه: تُمكن هذه الوظيفة من الاستجابة لطلبات المستفيدين في أسرع وقت وبكل دقة مما يمكنهم من ربح الوقت والوصول إلى المعلومة المطلوبة بكل دقة.
* الشعور بالأريحية: من الوظائف الأساسية للاستقبال هي أن تجعل المستفيد في أريحية تامة ويشعر بالثقة في النفس حتى يستطيع أن يعبر عن حاجياته بكل وضوح لكي يتسنى فهم ما يرغب فيه خاصة وأننا نعلم أن المستفيدين يختلفون باختلاف مستوياتهم العلمية، الاجتماعية و السلوكية و .....
* الوظيفة العلائقية: مثلما ذكرنا سالفا أن الاستقبال هو الواجهة الأولى التي تعترض المستفيد، لهذا لابد أن يكون الاستقبال الجيد ضروريا حتى نقدم صورة ايجابية لكل الوافدين ونبني علاقة مميزة معهم، لأن الاستقبال الجيد سيعطي مفهوما جيدا لدى الوافدين على خدمات المكتبة .
الخلاصة
حاولنا في هذه الورقة الحديث على الاستقبال وأهميته في الترغيب في المطالعة إيمانا منا بقيمة هذه الوظيفة داخل المكتبة ومن واجبنا كمهنببن أن نولي هذه الوظيفة الأهمية القصوى لما لها من دور في أداء المكتبة لمهامها وأن تُحقق الأهداف التي تأسست من أجلها وتُثبت وجودها كمؤسسة عمومية ذات قيمة علمية وثقافية، وعليه فمن الضروري تعزيز العلاقة التي تربط المكتبة بالمستفيدين، والاستقبال هو أحد جوانب المكتبة التي يجب تطويرها وتحسينها لأنه الحلقة الأساسية في مهنة المكتبات سواء من حيث الاستقبال البشري (الصفات، والمهارات، والمواقف، وما إلى ذلك) والاستقبال المادي (المساحات، والتخطيط، والأثاث، واللافتات، وما إلى ذلك). وفي الأخير نقول أنالانطباع الأول حول خدمات المكتبة يدوم وأهم من يصنع هذا الانطباع هو عون الاستقبال في أي إدارة، فهو واجهة المكان الذي يمثله وهو صاحب الدور الأهم في تقديم المكتبة للوافدين وإجابة أسئلتهم باحترافية ومهارة.