هل يسعى الاتحاد العام التونسي للشغل للحصول على جائزة نوبل للسلام مرة أخرى.
تونس- قالت أوساط سياسية تونسية مطلعة إن الإضراب العام بالقطاع الخاص الذي نفذه الاتحاد العام التونسي للشغل في مدينة صفاقس هو رسالة مباشرة إلى الرئيس قيس سعيد، ومؤشر على أن المنظمة الاجتماعية تنوي التصعيد في المرحلة القادمة في الوقت الذي تبحث فيه تونس عن تهدئة الأوضاع من أجل البحث عن حلول للأزمة الاقتصادية الحادة.
وأضافت هذه الأوساط أن رسالة التصعيد من جانب النقابة واضحة، وأن الجميع ينتظر كيف سيرد الرئيس قيس سعيد، لافتة إلى أن الاتحاد يريد أن يكون شريكا مباشرا في الحوار الوطني لأجل تأمين الخروج من الأزمة الحالية، لكن الرئيس لديه نظرة أخرى للحوار تقوم على إشراك واسع للشباب في تحديد خطط المستقبل، ولا يريد الرهان على الأطراف التي كان لها دور في الأزمة بما في ذلك الاتحاد نفسه.
وأشارت إلى أن الاتحاد لا يمكن له التصرف على أساس دعونا نحصل على جائزة نوبل للسلام مرة أخرى مثلما جرى بعد حوار 2013، فالوضع مختلف والرئيس قيس سعيد يريد إخراج البلاد من الوضع المتردي الذي أنتجه حوار 2013 وساهمت فيه الحكومات التي دعمها الاتحاد وشارك فيها بممثلين له، وأيّ جهة تقف ضد هذه المهمة فهي منحازة بالضرورة لخصومه.
وتجمّع الآلاف من العمال في القطاع الخاص بتونس الخميس أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل بمدينة صفاقس ذات الثقل الاقتصادي؛ تنديدا بما اعتبروه “إجحافا بحق العاملين” في هذا القطاع.
وتلت الوقفة مسيرة باتجاه مقر ولاية صفاقس رفع فيها المحتجون شعارات منها “وحدة وحدة يا عمال ضد الظلم و الطغيان”، و”الحق يُفتكّ ولا يهدى”.
وعلى هامش الاحتجاج، قال الكاتب العام المساعد المسؤول عن القطاع الخاص في الاتحاد بصفاقس محمد عباس “لن نتنازل عن المطالبة بحق عمال القطاع الخاص في زيادة محترمة في الأجور تحفظ كرامتهم، لاسيما في ظل تدهور مقدرتهم الشرائية التي فاقت 50 في المئة”.
ودعا عباس الحكومة إلى “تحمل مسؤولياتها، باعتبارها ضامنة للاستقرار الاجتماعي في البلاد”.
وتساءل مراقبون محليون كيف يمكن للحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في حوار اجتماعي، وهي قد تشكلت منذ أيام فقط وتحتاج إلى وقت لفهم مختلف الملفات، فضلا عن أن أمين عام الاتحاد نورالدين الطبوبي قد التقى رئيسة الوزراء نجلاء بودن وتم الاتفاق على اجتماع لاحق “لضبط العلاقة وتحديد طريقة العمل مع مختلف الوزارات”، كما نقلت صحيفة “الشعب نيوز” الناطقة باسم الاتحاد.
ولا يبدو أن الاتحاد سيكتفي بإضراب الخميس، فهناك إشارات إلى أن نسق الإضرابات قد يتوسع ليشمل مدنا أخرى، وهو ما جاء في تصريحات لعضو المكتب التنفيذي حفيظ حفيظ الذي قال إن الاتحاد “يتحلّى بالصبر والمرونة في ملف المفاوضات الاجتماعية المتعلقة بالقطاع الخاص لكن إذا كانت كافة الأبواب مغلقة سيمر إلى النضال”.
وأشار حفيظ إلى أن إضراب صفاقس هو “رسالة مفادها أن البداية من صفاقس لكنها ستعم الجهات الأخرى”.
ويعتقد المراقبون أن الاتحاد لا يريد أن يقبل بدور ثانوي في المرحلة القادمة، خاصة أنه كان يلعب دورا مؤثرا خلال السنوات العشر بعد الثورة، وقاد مفاوضات تشكيل أغلب الحكومات وفرض شروط التفاوض المستمر بشأن زيادة الرواتب والانتدابات في القطاع الحكومي.
كما أن هذا التصعيد هو رسالة مباشرة أيضا للرد على حملة تضغط على الاتحاد من أجل القبول بهدنة اجتماعية يلتزم فيها بوقف الإضرابات وعدم المطالبة بزيادة الرواتب خلال مدة ثلاث أو خمس سنوات، وأن المرحلة ليس لليّ الذراع مع سلطة انتقالية تضع جهدها في مكافحة الفساد وتسعى لتحييد المؤسسات عن التوظيف السياسي والاستجابة لمطالب الناس بشأن التحكم في الأسعار وتوفير فرص العمل.
وقال وزير المالية الأسبق حسين الديماسي إن “الوضع الحالي الذي تمر به البلاد ليس في حاجة إلى إضرابات في ظل الوضع الاقتصادي والمالي الصعب وغياب استراتيجية واضحة”.
وأضاف “مخطئ تماما من يطالب الآن بالزيادة في الأجور في هذا الظرف، وما دمنا قد انتظرنا عشر سنوات، يمكن الانتظار الآن حتى تتضح الرؤية، وعلى القيادات (النقابية) أن تنتظر”.
وتُوجّه للاتحاد انتقادات بشأن سعيه للعب دور سياسي في المرحلة المقبلة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تخفيف الملف السياسي، الذي سيطر على السنوات العشر الماضية، لفائدة التركيز على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي.
وأثار أمين عام الاتحاد غضبا بين أنصار الرئيس قيس سعيد بعد تصريحات أخيرة له قال فيها “نريد نظاما سياسيا لا يقوم على اليد المطلقة، لا عودة إلى الحكم الفردي”، ما اعتبر موقفا سياسيا ضد قيس سعيد ومنحازا لخصومه في وقت دأب فيه الاتحاد على تبرئة نفسه من أيّ تحالف مع أحزاب المنظومة السابقة وخاصة حركة النهضة الإسلامية.
لكن عبيد البريكي القيادي السابق في الاتحاد يحث على إشراك الاتحاد في الحوار بشأن المرحلة القادمة، معتبرا أن “حل المشاكل الاجتماعية التي ستكون السبب الرئيسي في تحديد المسار مع رئيس الجمهورية ومع الحكومة هو إشراك القوى الاجتماعية”.
وحذر البريكي من شيطنة الاتحاد من قبل الرئيس قيس سعيد والحكومة”، معتبرا أن “إضراب صفاقس برهن على أن المنظمة قوة دفع فعلية.