تحركات الحزب وأنصاره تثير جدلا بعد تحديه السلطات بتوظيف المساجد للدعاية الحزبية.
حزب التحرير الإسلامي المتشدد اختفى بشكل مفاجئ لسنوات ثم عاد إلى الواجهة ليهاجم الإجراءات الاستثنائية التي أقدم عليها الرئيس التونسي قيس سعيد في يوليو الماضي، في ظهور يعتقد مراقبون أنه منظم وهادف إلى توسيع دائرة معارضي الرئيس سعيد وإرباك الانتقال السياسي الجديد ومنعه من استقرار يسمح له بعرض برامجه.
تونس- تُشكل عودة حزب التحرير في تونس إلى الواجهة بقوة بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو مدعاة للتساؤل عن الأهداف التي يرنو الحزب إلى تحقيقها بالرغم من الانتقادات التي يواجهها بشأن وضعيته القانونية، وكذلك بشأن خطابه المعادي للدولة المدنية.
ويقول متابعون للشأن التونسي إن حزب التحرير يريد أن يستثمر حالة الفراغ الحزبي بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو ليظهر في الساحة وسيستقطب الجمهور الواسع الذي بات يقف ضد الأحزاب ويتهمها بالفساد والانتهازية ويسوّق نفسه كبديل في المرحلة القادمة، فضلا عن إظهار نفسه كمعارض وحيد للرئيس قيس سعيد على قاعدة الهوية الدينية والشريعة في مسعى لكسب تعاطف الجمهور المتدين الذي سبق أن نفض يده من حركة النهضة.
وحصل الحزب على تأشيرة في السابع عشر من يوليو العام 2012 خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية، لكن طريقه لم تكن سالكة حيث تم تجميد نشاطه لفترة شهر في وقت سابق كما تطالب قوى مدنية وحقوقية بسحب هذا الاعتراف القانوني لأن الحزب لا يتردد في المُجاهرة بعدائه لمدنية الدولة في تونس.
وشكلت لحظة الخامس والعشرين من يوليو وهو التاريخ الذي أقر فيه الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية شملت حل الحكومة وتجميد عمل البرلمان واختصاصاته ورفع الحصانة عن نوابه فرصة لحزب التحرير لإعادة إحياء شعاراته ومطالبه الرامية أساسا إلى إقامة نظام إسلامي في البلاد.
ويحذّر مراقبون من أن عودة الحزب إلى الواجهة قد تعيد التونسيين إلى مربع التقسيم على أساس الهوية، وأن الحزب يعتقد أن المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد يمكن أن توفّر له فرصة للظهور مجددا والاستفادة من غضب التونسيين على المنظومة السابقة.
وسبق أن روّج أنصار الحزب ونشطاؤه على مواقع التواصل الاجتماعي لحديث عن أنهم يدعمون المرشح قيس سعيد في انتخابات 2019 في محاولة للاستفادة من صورته كشخصية نظيفة ومن الدعم الشبابي الواسع الذي كان يحصل عليه. لكنه عاد الآن ليهاجمه بقوة مثلما فعل مع مختلف الحكومات قبل الثورة وبعدها.
في خضم الأزمة السياسية الحادة التي عاشتها البلاد بعد انتخابات 2011 اختفى الحزب بشكل شبه كامل، ثم عاد إلى الواجهة منذ أسبوعين ليجتر الشعارات التي رفعها سابقا ويروّج للنظام الإسلامي الذي ينادي به.
وطالب الحزب خلال مؤتمر صحافي تحت شعار “التّصدي للعبث العلماني” عُقد منذ أسبوع في العاصمة تونس بإقامة نظام إسلامي لتحقيق أهداف الثورة وذلك في وقت يستعد فيه الرئيس سعيد لإدخال تعديلات على الدستور من أجل تغيير نظام الحكم والقانون الانتخابي.
لفت الأنظار
وصف سعد العجيلي، المتحدث باسم حزب التحرير (غير ممثل برلمانيًا)، المسار السّياسي الذي تمر به تونس بأنه “عابث” مضيفا أنه “ليس على البلاد أن تكون مُخيرة بين نظام علماني ديمقراطي برلماني أو آخر رئاسي استبدادي”.
وقال العجيلي إن الحل هو اعتماد “نظام إسلامي والذهاب إلى الخلافة الرّاشدة الثّانية لتحقيق أهداف الثّورة المنادية بإسقاط المنظومة الغربية وأنظمتها التي تعمل بغير ما أنزل الله تعالى”.
وتابع “مشروعنا مستمد من الشريعة الإسلامية ومن الكتاب والسّنة، وغيابنا (مقاطعة) عن الانتخابات السابقة كان موقفا سياسيا، اليوم نتقدم للحفاظ على الأمانة وحماية شعبنا من خطر التيارات السّياسية العلمانية”.
كما دعا مراد معالج عضو المكتب الإعلامي للحزب التونسيين إلى اختيار “المشروع الإسلامي نظامًا يخلف النّظام الموجود حاليا”.
وحثهم على “عدم الانسياق وراء الأحزاب الموجودة في المنظومة الحالية، حيث تخدم مصالحها وأجنداتها الخاصة على حساب مصلحة الشعب”.
ويعكس حديث معالج عن الأحزاب التقاء بين حزب التحرير والرئيس سعيد الذي لا يؤمن بالأحزاب ويرى أنها ساهمت في تكريس المحاصصة على حساب الشعب. لكنّ مراقبين يرون أن الحزب يُدرك بأن قيس سعيد لن ينساق خلف هذه الدعوات وأن الحزب إنما يريد لفت النظر إليه بالإيحاء باشتراكه مع رئيس الجمهورية في الموقف من الأحزاب.
وقال المحلل السياسي إبراهيم الوسلاتي إن “التحركات الأخيرة لحزب التحرير التي أتت على خلفية الإجراءات الاستثنائية التي أقرها رئيس الجمهورية وإن كانت لم تردّد شعارات من نوع الشعب يريد فقد وجد فيها نوعا من التقاطع فيما يتعلق برفض المنظومة السابقة والقطع معها فكان أن عاد لترديد شعاراته السابقة المطالبة بالعودة إلى الخلافة”.
واستدرك الوسلاتي قائلا إن “هذه الشعارات والأطروحات لم تعد تلاقي صدى يُذكر في أوساط المجتمع التونسي الذي لم يعد يثق في الأحزاب ذات المرجعية الدينية وقد يكون أراد من خلال ما قام به مؤخرا تسليط الأضواء عليه لا غير”.
من جهته اعتبر مصطفى عبدالكبير الناشط الحقوقي والسياسي أن دعوة حزب التحرير بخصوص دعوته إلى نظام إسلامي في تونس “المقصود بها استفزاز السلطة والرأي العام إضافة إلى توجيه رسالة واضحة إلى الغرب الأوروبي حول مسالة الهوية وقوة التيارات الإسلامية”.
توظيف المساجد
عودة حزب التحرير إلى التحرك في تونس لم تخل من جدل أثير أساسا حول المناخ العام الذي تشهده البلاد وما قد ينجم عن هذه العودة من عواقب خاصة بعد أن بدا جليا أن الحزب مصمّم على التحرك على أكثر من جبهة لفرض رؤيته للنظام السياسي الذي ستعتمده البلاد لاحقا.
ومثّلت حادثة اقتحام جامع الفتح وسط العاصمة من قبل أنصار الحزب نقطة تحول حقيقية في علاقة الرأي العام بهذا الحزب حيث أحيت المخاوف من توظيف المساجد سياسيا وهي نقطة حساسة لدى التونسيين.
ونظّم الحزب وقفتين احتجاجيتين الجمعة الماضية للمطالبة بإقامة نظام إسلامي من أمام جامع الفتح بتونس والثانية في محيط جامع اللخمي بولاية صفاقس.
وحذر إبراهيم الوسلاتي من خطورة الحزب قائلا إن “أفكاره تعتبر متطرفة ومتشددة، حيث يدعو الى إحياء الخلافة الإسلامية ولا يعترف بالديمقراطية ولا بالانتخابات ويعتبر الأحزاب العلمانية خطرا على البلاد لأن أفكاره خطرة”.
وأضاف “الحزب يحاول الآن توظيف المساجد وهذا ما حصل منذ أكثر من أسبوع لمّا خرج أنصاره من جامع الفتح الذي كانت تسيطر عليه أطراف محسوبة على حركة النهضة مطالبين بتطبيق الشريعة وبنفخ الروح في جثة الخلافة”.
صغير الحيدري
صحافي تونسي