تتزايد في تونس ظاهرة دروس التدارك التي تُفرض خارج أسوار المؤسسة التربوية، مما يثير العديد من التساؤلات حول دوافعها وأبعادها. هل تعتبر هذه الدروس ضرورة لتدارك الفهم وتحصيل الدرجات؟ أم أنها تُشكل فوضى تعليمية تُثقل كاهل التلاميذ وأولياء أمورهم دون تقديم الفائدة المرجوة؟
مقالات ذات صلة:
دروس التدارك في المدارس الابتدائية: الجوانب السلبية التي يجب مراعاتها
العودة المدرسية في تونس: زيادة في عدد التلاميذ والمدرسين والمؤسسات التعليمية
الرئيس قيس سعيّد يؤكد على ضرورة حل مشكلات المعلمين والأساتذة النواب ويشدد على أهمية التعليم
فهم الظاهرة
تأتي دروس التدارك كاستجابة لاحتياجات التعليم في سياق يُعاني فيه النظام التعليمي من ضغوطات عديدة. يشعر التلاميذ بحاجة إلى المساعدة الإضافية، خاصةً في مواد معينة. إلا أن هذه الدروس، التي تُقدم عادة خارج أوقات الدراسة الرسمية، تُطرح عدة تساؤلات حول فعاليتها وأخلاقيتها.
الأبعاد الاقتصادية: الربح مقابل التعلم
تُعتبر الدروس الخصوصية، بما فيها دروس التدارك، مصدر ربح سريع للعديد من المعلمين. إذ تزداد التكلفة المالية لهذه الدروس بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى عبء إضافي على أولياء الأمور. في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، يُمكن أن تؤثر هذه التكاليف سلبًا على ميزانية الأسر، مما يدفع الكثير من الأهل إلى الاستدانة أو التراجع عن بعض احتياجاتهم الأساسية.
يشير بعض الخبراء إلى أن الدروس الخصوصية ليست فقط أداة تعليمية، بل أيضًا وسيلة لتحقيق أرباح كبيرة. يُظهر الواقع أن بعض المعلمين يفرضون هذه الدروس ليس بدافع الرغبة في تحسين أداء التلاميذ، بل لتحقيق مكاسب مالية على حسابهم. هنا، يجب علينا أن نتساءل: هل الأهداف التعليمية تأتي في المقام الأول، أم أنها تُمثل مجرد تجارة؟
الجانب القانوني: تجاوز الأنظمة
من الناحية القانونية، تفرض التشريعات التربوية في تونس قيودًا صارمة على الدروس الخصوصية خارج المدرسة. وفقًا للقوانين، يُمنع تقديم الدروس الخصوصية قبل انقضاء فترة معينة من العام الدراسي، لكن يبقى الواقع مُخالفًا لهذه القوانين.
تُظهر التقارير أن العديد من المعلمين يقدمون دروس التدارك دون ترخيص أو متابعة من المندوبيات التعليمية. تُعد هذه الظاهرة فوضى تُعزز من استغلال المعلمين للتلاميذ، ما يستدعي تدخلًا عاجلاً من السلطات التربوية لوضع ضوابط وتنظيمات واضحة لهذه الممارسات.
التأثير على الطلاب: هل تُعزز الفهم أم تُعيق التقدم؟
إذا كانت دروس التدارك تهدف إلى تحسين الفهم الأكاديمي، فإنها قد تؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج عكسية. يمكن أن يؤدي الاعتماد المتزايد على هذه الدروس إلى تراجع قدرة التلميذ على استيعاب المعلومات وفهمها من المرة الأولى. بل وقد تُعزز هذه الدروس من ظاهرة التلقين، حيث يصبح التلميذ معتمدًا على إعادة المراجعة بدلاً من التفكير النقدي والإبداعي.
فرض الدروس حتى على المتفوقين
من الممارسات المقلقة المرتبطة بدروس التدارك هي فرضها على جميع التلاميذ، حتى أولئك المتفوقين منهم. ففي بعض الحالات، يُجبر المعلمون التلاميذ المتفوقين على الالتحاق بدروس تدارك غير ضرورية، ما يعكس عدم القدرة على التعرف على احتياجات كل تلميذ بشكل فردي. هذا الإجراء قد يُعطل مسار هؤلاء التلاميذ المتفوقين ويجعلهم يشعرون بأنهم لا يُقدّرون بشكل صحيح، مما يؤثر سلبًا على دافعهم للتعلم.
بيع وشراء الأعداد: من يحصل على الأفضل؟
من الظواهر المقلقة المرتبطة بدروس التدارك هي مسألة "بيع وشراء الأعداد". فقد لوحظ أن التلاميذ الذين ينخرطون في دروس التدارك يحصلون على معدلات وأعداد إضافية، بينما يُعاقب الآخرون الذين لا يستطيعون تحمل التكاليف. يُمثل هذا الأمر عدم تكافؤ الفرص بين التلاميذ، حيث يتمكن البعض من تحسين نتائجهم من خلال دفع الأموال، بينما يبقى الآخرون في الظل.
هذه الممارسات تخلق مناخًا من الفساد الأكاديمي وتُرسخ فكرة أن النجاح يُمكن شراؤه، مما يتعارض تمامًا مع قيم العدالة والمساواة في التعليم.
في الختام، تُعتبر ظاهرة دروس التدارك خارج أسوار المؤسسة التربوية موضوعًا معقدًا يتطلب معالجة شاملة. يجب على المعلمين، وأولياء الأمور، والسلطات التربوية العمل معًا لتطوير حلول فعّالة تحافظ على حقوق التلاميذ وتضمن جودة التعليم. بدلاً من التركيز على الربح المادي، يجب أن تكون الأولوية لتقديم تعليم نوعي يشجع على الفهم والاستيعاب، ويساعد التلاميذ على تحقيق إمكاناتهم الكاملة.
تتطلب هذه القضية إعادة تقييم شامل للسياسات التعليمية الحالية، وضرورة وضع أطر قانونية واضحة تحد من الاستغلال وتحمي حقوق التلاميذ في الحصول على تعليم متوازن وشامل.