بدأت مؤشرات فتور العلاقة بين رئيس حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، والرئيس الباجي قائد السبسي تطفو على السطح، بسبب تباين المواقف حول عدد من الملفات بما يوحي بوجود اختلافات كبيرة تعود جذورها إلى مرحلة الاستقطاب الثنائي الذي عرفته البلاد خلال فترة حكم الترويكا.
عن العرب اللندنية: تُحذر الأوساط السياسية التونسية من أن هناك أزمة صامتة بين الرئيس الباجي قائد السبسي، ورئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، بدأت هوتها تزداد اتساعا، وسط تفاوت في التقديرات حول مآلاتها، وتداعياتها المُحتملة على الوضع العام في البلاد. وتختلف القراءات حول طبيعة العلاقة بين الشيخين، ومن خلفهما حركة النهضة الإسلامية، وحزب نداء تونس، حيث هناك من يراها طبيعية رغم الاختلافات في وجهات النظر التي تشوبها، وبين من يرى أن الحركتين مختلفتان حول جملة الملفات السياسية والاجتماعية، وأن الأزمة الصامتة بين الشيخين تقترب بخطى حثيثة من حدها الأقصى.
ومع ذلك، تؤكد الوقائع أن العلاقات بين الشيخين والحركتين ليست على ما يرام، حيث يُجمع العديد من المراقبين والمحللين على أن تلك العلاقات تتسم بفتور لافت، على الرغم من نفي المسؤولين في حركتي النهضة والنداء، لوجود أزمة تعكر صفو علاقاتهما الثنائية. ويؤشر على الأزمة الصامتة بين الحركتين، كما يصفها المتابعون السياسيون، إحجام الرئيس السبسي عن الاجتماع مع راشد الغنوشي منذ المشاورات التي انتهت بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد، وتزايد الدلائل حول وجود برود سياسي بين الطرفين لم تُبدده التصريحات التي تتالت تباعا خلال الأيام الثلاثة الماضية.
وأكد خالد شوكات القيادي في حركة نداء تونس، والوزير السابق في حكومة الحبيب الصيد، وجود مثل هذه الأزمة، وحذر في نفس الوقت من أن استمرارها وتراكم مفاعيلها قد يدفعان باتجاه دخول تونس في حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي التي من شأنها تهيئة المناخ لكل ما هو سيء وخطير، بما في ذلك الحرب الأهلية. وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها التحذير بشكل مباشر وعلني من إمكانية انزلاق تونس نحو "حرب أهلية"، حيث سبق لراشد الغنوشي أن تطرق إلى ذلك في تصريحات سابقة، ومع ذلك ينظر المراقبون إلى مثل هذه التحذيرات على أنها "تهويل ومبالغة" ليسا في محلهما باعتبار أن تونس بنسيجها الاجتماعي، ووحدة المعتقد، بعيدة عن مثل هذا الأمر بالرغم من الانقسامات السياسية، وحالة التشرذم والتشظي الحزبي.
لكن ذلك، لم يمنع خالد شوكات من القول في تصريح لـ"العرب"، "إن هناك مخططا يهدف إلى الانقضاض على المُصالحة الوطنية، وصولا إلى ‘التسخين’ لحرب أهلية من خلال عودة خطابات التجييش والتشجيع على الخراب"، على حد تعبيره. وقال "هناك داخل حركة نداء تونس، ومن المقربين للرئيس السبسي، وداخل حركة النهضة الإسلامية، من يدفع نحو هذا المُخطط الخطير، ودعا الرئيس السبسي وراشد الغنوشي إلى الانتباه، والحذر من تلك الأطراف التي تريد أن تدفع البلاد في اتجاه معاكس لخيار التوافق والمصالحة الذي جعل تونس بمنأى عن الحروب الأهلية".
واعتبر أن تونس اليوم تمر بوضع دقيق في سياق مرحلة مفصلية جعلت المناخ السياسي العام يتسم بالضبابية، وبتزايد "توجس بعض الأطراف داخل حركة النهضة الإسلامية من عودة النظام القديم عبر بوابة نداء تونس، وأخرى داخل حركة نداء تونس مازالت ترى أن الحركات الإسلامية ومنها حركة النهضة تستبطن العنف". ورغم أن خالد شوكات عاد وشدد في تصريحه لـ"العرب"، على أن العلاقة بين السبسي والغنوشي هي أكبر بكثير من العلاقة بين حركتيهما أي النهضة والنداء، وأن تلك العلاقة مازالت متماسكة، فإن عناصر كثيرة طفت إلى السطح سواء من خلال التصريحات العلنية، أو عن طريق التسريبات الإعلامية، تدل على فتور العلاقة بين الشيخين، بسبب تباين المواقف حول عدد من الملفات بما يوحي بوجود اختلافات كبيرة تعود جذورها إلى مرحلة الاستقطاب الثنائي الذي عرفته البلاد خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة خلال الفترة ما بين عامي 2011 و2013.
وتبقى المواقف المعلنة للطرفين حريصة على إظهار تلك العلاقات بشكلها الطبيعي، غير أن تصريحات زبير الشهودي القيادي في حركة النهضة الإسلامية، ومدير مكتب رئيسها راشد الغنوشي، عمّقت الحديث حول تلك الأزمة الصامتة التي تدور رحاها بين السبسي والغنوشي. وقال الشهودي، الخميس، ردا على تصريحات سابقة للرئيس السبسي، أشار فيها إلى أن "هناك أطرافا داخل حركة النهضة غير موافقة على التوافق…، وأنه سيكون لها بـ’المرصاد"، إن ما قاله السبسي "غير موفق، وغير مرغوب فيه في النهضة ويتطلب من قيادة الحركة استفسار الرئيس حول ذلك".
ورأى مراقبون أن هذا الرد من شأنه تعميق الفتور الذي يسود العلاقات بين الحركتين والشيخين، وبالتالي عرقلة الاتصالات المكثفة الجارية لتبديد ذلك الفتور، وتطويق الأزمة الصامتة التي تسبب فيها. وبتزايد وتيرة هذه الأزمة التي بدأت تقترب من التوتر، يُرجح المراقبون أن تتواصل فصول هذه الأزمة، وتكبر ككرة الثلج المتدحرجة، بالنظر إلى تراكم المبررات في تباين واختلاف وجهات النظر بين السبسي والغنوشي، وذلك على وقع رغبة السبسي في ترتيب المشهد السياسي لصالحه من خلال تشكيل جبهة أو كتلة جمهورية لإحداث توازن لمواجهة حركة النهضة، التي فهمت ذلك بأنه مُقدمة لتحجيم دورها.