أثرَت مواقع التواصل الاجتماعي حياتنا كثيراً في الآونة الأخيرة، خاصة في العالم العربي حيث كانت إحدى العوامل البارزة جداً في نشوء "الربيع العربي"، ولكننا الآن لسنا في صدد الحديث عن دور فيس بوك وتويتر وغيرها من المواقع المشابهة في الثورات العربية، إنما سنطرح فكرة هذه المواقع كساحات اجتماعية بديلة عن الحياة الحقيقية والواقعية.
وسنتحدث على سبيل المثال عن فيس بوك الذي يعطينا فرصة للتعريف بنفسه كذلك يفسح لنا مكاناً للعائلة والأصدقاء وخاصية التمييز بينهم، إذاً هو انعكاس تكنولوجي للحياة الواقعية.
فيس بوك يمنحنا إمكانية لتغيير هويتنا أو تقمص شخصية أخرى، من خلال الدخول باسم وهمي لخلق شخصية كاملة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وإن كان ذلك مخالفا للأعراف وشروط الخصوصية.
وقد استطاع فيس بوك خلال السنوات الأخيرة أن يشكل بديلا عن الحياة الاجتماعية الواقعية لعدد كبير من الشباب الذين تزداد أعدادهم يوماً بعد يوم ليملؤوا مثل هذه المواقع، مكتفين بالتواجد الوهمي وراء شاشة الكمبيوتر وبالدردشات والحوارات التي تجري داخلها، ومنفصلين عن العالم الحقيقي.
والتواصل الإلكتروني قد يغني عن التواصل اليومي الملوس، لأنه يجرد العلاقة بين أي اثنين من طبيعتها الروحية والحميمية ويحولها لما يشبه العلاقة الآلية المرتبطة بالأحرف وبأزرار لوحة المفاتيح. لدرجة انك تشعر بالإشباع العاطفي تجاه شخص ما لمجرد أنك تتواصل معه باستمرار عبر هذه اللوحة، حتى وإن كان غائباً أو مسافراً، وهذه الحالات قد لا تنطبق على جميع الشباب لكنها تحدث وبكثرة ضمن هذه الفئة.
ويستخدم أكثر من 21 مليون عربي فيس بوك، 90 بالمئة منهم ينتمون إلى فئة الشباب، حسب إحصائيات العام الماضي.
وهنا بالذات تبرز فكرة "الحرية" بالمعنى السياسي والاجتماعي التي يعاني منها الشباب العربي عموما.
ورغم أن فيس بوك يتيح فسحة كبيرة للشباب للتعبير عن آرائهم، لكن خطورة مثل هذه المواقع تتمثل في الإدمان الكبير عليها اليوم، فضلا عن الغرق في الوهم والكذب الذي توفره الحياة الافتراضية للجميع، بحيث تتراجع الحياة المهنية لصالح هذه الحياة المزيفة.
و للشفاء من إدمان فيس بوك، لا بد من تفعيل حياتك الطبيعية، بحيث تلتقي مع أصدقاء خارج المنزل دون الحديث معهم عن قضايا الفيسبوك، فضلا عن ممارسة الرياضة وقراءة الكتب والتمتع بسحر الطبيعة.
وعلى الرغم مما ذكرناه آنفا، لا يمكن أن نغفل عن إيجابيات فيس بوك الكثيرة والمتمثلة في دوره الكبير في التخطيط للثورات العربية، كما أنه مساحة للتعبير، فضلاً عن أنه مساحة للجادين ليظهروا خبراتهم المهنية والثقافية أمام حشد عالمي إلكتروني يؤدي بالنهاية إلى رديف حقيقي على أرض الواقع. لكن المهم هو كيفية استخدامه أولاً واخيراً بحيث نستفيد منه دون ان يضرنا.