في وقت تتقدّم فيه الدول نحو “مدرسة المستقبل”، أطلق المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية جرس إنذار قويّ عبر دراسة جديدة جاءت تحت عنوان:
“الذكاء الاصطناعي: رافعة للدور الاجتماعي للدولة”، مؤكدة أن تونس تقف اليوم أمام منعطف حاسم: إمّا إدماج الذكاء الاصطناعي بشكل مدروس في المنظومة التربوية… أو خسارة عقد كامل من التطوّر.
مجلس أعلى للتربية… أم غياب بوصلة؟
الدراسة دعت—بلهجة شديدة الوضوح—إلى إعادة تفعيل المجلس الأعلى للتربية لبلورة رؤية استراتيجية متكاملة تُدخل الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا التعلّم في قلب العملية التربوية.
رسالة واضحة: لا إصلاح رقمي دون “عقل مركزي” ينسّق، يخطط، ويقود.
فرص هائلة… وفوارق تهدّد العدالة المدرسية
خلصت نتائج الدراسة إلى أن الذكاء الاصطناعي قادر على:
- تحسين نجاعة الخدمات التعليمية،
- الحدّ من الفوارق بين المتعلمين،
- تعزيز الابتكار،
- خلق وظائف جديدة في اقتصاد المعرفة.
لكنها سجّلت أيضًا فجوة رقمية مقلقة قد تُحوّل الذكاء الاصطناعي إلى أداة تعميق للّامساواة إن لم تُدار باحتياط كبير.
EdTech تونس… قطاع واعد مُحاصر بالبيروقراطية
رصد التقرير منظومة ناشئة من شركات EdTech التي تطوّر حلولًا للدعم المدرسي والتكوين المهني باستخدام الذكاء الاصطناعي، لكنها تواجه عراقيل صارخة:
- صعوبة النفاذ إلى البيانات،
- غياب موافقات رسمية سريعة من الوزارات،
- بيروقراطية تجمّد الابتكار قبل ولادته.
- إستراتيجية وطنية عاجلة… بتنسيق حكومي-خاص
الدراسة شدّدت على ضرورة صياغة إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وتكنولوجيات التعلّم، عبر شراكة بين الدولة والقطاع الخاص، تكون مدعومة بخطط تمويل وآليات متابعة واضحة، بعيدًا عن المقاربة المشتتة التي تطغى اليوم.
تكوين المربين… قلب الإصلاح
أحد أهم محاور التوصيات تمثل في:
- تدريب المدرسين والإداريين على أدوات الذكاء الاصطناعي،
- ضمان تكافؤ الفرص في النفاذ إلى التكنولوجيا،
- إعداد دليل وطني لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي التوليدي،
- تنظيم حملات توعوية للتلاميذ والأولياء.
- شراء عمومي مبتكر… وتجارب قبل التعميم
التقرير دعا إلى إحداث آلية فعّالة للشراء العمومي تمكن المدارس من اختبار حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي عبر تجارب صغيرة (Proof of Concept) قبل تعميمها، ما يفتح السوق أمام الشركات الناشئة ويُدخل روح الابتكار إلى الفصول.
مهن المستقبل… من يقرأ التحولات قبل حدوثها؟
كما طالبت الدراسة بإجراء بحث وطني واسع حول تأثير الذكاء الاصطناعي على المهن وسوق الشغل، بهدف تحديث البرامج البيداغوجية وتوجيه الإصلاحات بدل الاكتفاء بردود الفعل.
خلاصة الدراسة؟
الذكاء الاصطناعي ليس ترفًا… بل ضرورة وجودية لمدرسة تونسية قادرة على صناعة مستقبل أبنائها.
ورغم الفرص المتاحة، يبقى السؤال المعلّق:
هل تتحرك الدولة قبل أن يفوت الأوان؟



