في تحوّل لافت يعكس وعياً متزايداً بأهمية العقار كرافعة استراتيجية للتنمية، أعلن وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية وجدي الهذيلي، اليوم الإثنين 16 جوان 2025، عن انطلاق إعداد تقرير السياسة العمومية الخاصة بالوزارة في إطار مخطط التنمية للفترة 2026–2030، وذلك خلال اجتماع موسّع بمقر الوزارة بحضور ممثلي الوزارات والهياكل الوطنية ذات الصلة.
تحرير العقار... تحرير البلاد؟
في بلد ظلّت فيه الأراضي الدولية "معلّقة" لعقود، وُصف إعلان الوزير بالخطوة الجريئة نحو تحرير الرصيد العقاري وتوظيفه كقوة اقتصادية واجتماعية. فوفق ما كشفه الهذيلي، تسعى الوزارة إلى مقاربة جديدة أكثر عدلاً وواقعية تهدف إلى تثمين دور العقار الدولي اجتماعياً وجهوياً، وتحويله من ملف إداري جامد إلى رافعة فعلية للإصلاح والاستثمار.
محاور نارية في خطة الدولة الجديدة
وشملت التوجهات المعلنة جملة من الإجراءات الجذرية، من بينها:
- التفويت بالأراضي الدولية لفائدة المشاريع العمومية والسكن الاجتماعي والشركات الأهلية بالدينار الرمزي.
- تسوية وضعيات التجمعات السكنية القديمة والأراضي المستغلة قانونيًا، وتوظيفها لخلق فرص تنموية.
- رقمنة العقارات الدولية وتوفير قاعدة بيانات رقمية متكاملة، في خطوة طال انتظارها لمقاومة الفساد وتحقيق الشفافية.
- رفع نسق تحرير الحوزة العقارية وتعديل التشريعات المعطّلة لمشاريع البنية التحتية.
- تصفية ملفات الفساد القديمة، على غرار الأموال الراجعة للتجمع المنحلّ، ومشروع قانون لمصادرة الثروات غير المشروعة.
رسائل مشفرة... والمطلوب قرارات شجاعة
ولم يخفِ الوزير الهذيلي نبرة الحزم، مؤكداً أن "مخطط التنمية هو فرصة حقيقية لتوحيد الرؤية بين الوزارات، وبلورة سياسات واضحة وعملية، بعيدًا عن التسويف والتردد".
لكن المتابعين يتساءلون: هل تكفي النوايا وحدها؟ أم أن معركة تحرير العقار تستوجب قرارات سياسية شجاعة وجرأة إدارية لمواجهة مافيات الأراضي والتداخل الخطير بين المصالح؟
بين الأملاك المصادرة والأراضي الاشتراكية... معركة استرجاع الدولة!
من أبرز ما جاء في تصريح الوزير، التوجه نحو إصلاح شامل لملف الأراضي الاشتراكية التي تمثل عقدة تاريخية في الجنوب التونسي، وكذلك وضع منظومة موحّدة لاسترجاع الأموال المنهوبة، ضمن ما وُصف بـ"المعالجة الجذرية" لملف المصادرة، بالتنسيق مع وزارات العدل والمالية والداخلية.
رصيد الدولة ليس للبيع... بل للبناء!
رسالة وجدي الهذيلي كانت واضحة: المرحلة القادمة هي مرحلة تفكيك العراقيل العقارية، وإنهاء زمن "أملاك الدولة المجمّدة". وفي حال وُضعت هذه التصورات موضع التنفيذ، فإن الرصيد العقاري العمومي قد يتحوّل إلى دينامو تنموي يقلب المعادلة في الجهات الداخلية، ويعيد للدولة سيادتها التنموية.
ويبقى السؤال: هل تنجح وزارة أملاك الدولة في ترجمة هذه الرؤية على أرض الواقع... أم ستظل الملفات الكبرى حبيسة الرفوف والوعود؟