وسط ضجيج المدينة وصمت المؤسسات، علت أصوات المنسيّين. مئات من العاملين بالعقود الهشّة تجمّعوا، صباح اليوم الثلاثاء، أمام المسرح البلدي بالعاصمة، في وقفة احتجاجية كشفت عمق الأزمة الاجتماعية والإدارية التي تعيشها الدولة مع عمّالها غير المرئيين.
يعملون منذ سنوات في مختلف الوزارات والإدارات العمومية، يؤمّنون استمرارية المرفق العام، يلبّون النداء كل يوم دون أن يحملوا صفة "الموظف". إنهم "جيش الظلّ" الذي تحاشى الجميع النظر في معاناته. لا قانون يضمن حقوقهم، لا تغطية اجتماعية، ولا أفق وظيفي.
في حديث مع بعضهم، تتكرّر نفس الجملة: "نعمل دون أن نُرى". بين من تجاوزت خدمته العشر سنوات، ومن يتقاضى أجورًا لا تليق حتى بعقود التربص، تتضح ملامح منظومة تشغيل هشّة، قائمة على استغلال الحاجة وغياب البدائل.
يصف المحتجون واقعهم بـ"العبودية الحديثة". فهم لا يتمتّعون بأي استقرار مهني، ولا يحقّ لهم الترقية، ولا تُحتسب سنوات خدمتهم في التقاعد. ورغم وعود حكومية متكررة بتسوية أوضاعهم، لا شيء تغيّر.
يقول أحد الأعوان المحتجّين:
"نحن نعيش في حالة مؤقتة دائمة. نعمل كأننا ضيوف داخل الإدارات، نُطلب عندما نُحتاج، ونُهمّش عندما نطالب بحقوقنا."
الوقفة لم تكن فقط تعبيرًا عن الغضب، بل جاءت لتضع الدولة أمام مرآة واقع مهني مشوّه. حيث لا يمكن الحديث عن إصلاح إداري دون إنصاف من يضمنون الحد الأدنى من استمرارية المرافق العامة.
رسالة المحتجّين واضحة: التهميش لم يعُد مقبولًا، والسكوت عن الانتهاك اليومي للكرامة المهنية لن يستمر. إن لم تتحرّك الدولة في اتجاه الترسيم وتسوية الوضعيات، فإن القادم سيكون عنوانه التصعيد والتصدّع داخل أجهزة الإدارة نفسها.