اختر لغتك

الرقابة العمومية المعاصرة بين دمج الحوكمة الابتكار  والشراكة مع المواطنين

الرقابة العمومية المعاصرة بين دمج الحوكمة الابتكار  والشراكة مع المواطنين

الرقابة العمومية المعاصرة بين دمج الحوكمة الابتكار  والشراكة مع المواطنين

في إطار السعي الوطني لتعزيز الحوكمة الرشيدة وتطوير الإدارة العمومية وفق معايير الشفافية والكفاءة، نظمت جمعية أكسيا يوم السبت 04 أكتوبر 2025 برنامجا تكوينيا بعنوان «الرقابة العمومية من البحث عن الأخطاء إلى خلق القيمة المضافة العمومية»، قدمه الخبير الأستاذ كمال بن عامر المستشار والمكون في مجالات الجودة والتخطيط الاستراتيجي ومكافحة الفساد وإدارة التجديد في القطاع العمومي والمشاريع التكنولوجية والمرافق لعدد من المؤسسات الوطنية الكبرى مثل المدرسة الوطنية للإدارة والمدرسة الوطنية للمالية ومركز التكوين ودعم اللامركزية، وذلك ضمن جهود مرافقة هذه الهياكل للحصول على شهادة الجودة وفق المعيار الدولي ISO 21001، وقد شهد البرنامج حضورا مكثفا بلغ 35 مشاركا من أعضاء الجمعية وإطارات الهياكل الشريكة ما عكس الاهتمام المتزايد بمفهوم الرقابة العمومية الحديثة وأهمية تطوير آلياتها بما يتوافق مع تطلعات المواطنين ومتطلبات الدولة.

انطلق البرنامج بمناقشة جوهر الرقابة العمومية حيث أوضح الأستاذ بن عامر أن الرقابة لم تعد مجرد أداة لاكتشاف الأخطاء أو محاسبة المقصرين بل أصبحت آلية استراتيجية لإصلاح الأداء وخلق القيمة المضافة للمؤسسات والمواطنين على حد سواء، وأشار إلى أن مفهوم الرقابة العمومية الحديث يرتكز على الانتقال من ثقافة العقاب إلى ثقافة التعلم والتحسين المستمر مؤكدا أن هذا التحول يمكن المؤسسات من الابتكار المستمر وضمان تقديم خدمات عامة عالية الجودة، وفي هذا الإطار القانوني تم التذكير بأن الرقابة العمومية هي نشاط رسمي تنظمه الدولة وفق القانون الأساسي للمالية والقانون عدد 61 لسنة 2017 المتعلق بالمراقبة الإدارية والمالية وتشمل التفقد، التدقيق، والمراجعة الداخلية والخارجية بهدف التأكد من شرعية التصرفات وكفاءة استخدام الموارد، وتعزيز الشفافية والمساءلة ما يجعل الرقابة عنصرا أساسيا في الحوكمة الرشيدة.

وأوضح البرنامج أن هناك ترابطا وثيقا بين الرقابة العمومية والحوكمة الرشيدة حيث يمكن للهياكل الرقابية أن تتحول من مجرد أجهزة رصد الأخطاء إلى فاعل أساسي في تحسين الأداء وخلق بيئة مؤسسية مبتكرة وهو ما أكد عليه خبراء الرقابة الدوليون مثل ما أوردته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) في توصياتها حول تعزيز الحوكمة العامة والرقابة على الموارد العامة والتي تؤكد على أن الرقابة يجب أن تكون أداة لتقييم الأداء وتحفيز التحسين، وليس فقط لمحاسبة المقصرين.

كما ركز البرنامج على مقاربة حديثة للرقابة والتفقد والتدقيق تعتمد على خلق القيمة المضافة داخل الهياكل العمومية بدلا من الاقتصار على الأخطاء الفردية وذلك عبر فهم طبيعة المؤسسات والأسباب التي تؤدي إلى الاختلالات واقتراح آليات لتعزيز الرقابة الداخلية ومعالجة المخاطر المحتملة بما يسهم في بناء مناخ ثقة بين الأطراف المختلفة ويربط مصالحهم بمصلحة الهيكل العام، وأكد الأستاذ بن عامر أن أغلب إشكاليات التصرف العمومي تنبع من نقص الحوكمة وأن الهيئات الرقابية هي الفاعل الأساسي في دعمها إذ يمكن للمراقب أو المفتش أو المدقق أن يتحول إلى مكتشف للفرص ومحفز للتجديد والابتكار وليس مجرد مراقب للأخطاء وهو ما يتوافق مع توصيات البرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) حول دور الرقابة في تعزيز الأداء المؤسسي وتحقيق التنمية المستدامة.

في سياق تعزيز الابتكار، استعرض المحاضر نظام إدارة الابتكار وفق المعيار الدولي ISO 56001 ،الذي يشكل إطارا متكاملا لترسيخ ثقافة الابتكار في المؤسسات ويقوم على ثلاثة مستويات مترابطة ألا وهي المستوى الاستراتيجي الذي يحدد السياسة العامة واستراتيجية الابتكار، المستوى التكتيكي الذي يحول الأهداف إلى خطط عمل واضحة والمستوى التشغيلي الذي يركز على تنفيذ المبادرات ومتابعة أثرها على جودة الخدمات العامة ومن خلال هذا الترابط يصبح الابتكار جزءا متأصلا من العمليات اليومية ويحول الرقابة إلى أداة فعالة في خلق القيمة المضافة وتحسين الأداء المؤسسي بما يعزز الثقة بين الدولة والمواطن.

وبالتوازي، ناقش البرنامج نموذج "كانو" لتحليل توقعات المواطنين الذي يوضح الخصائص الأساسية الإلزامية، الخصائص النسبية، الخصائص الابتكارية الجاذبة مؤكدا على أن الإدارة العمومية يجب أن تكون استباقية وتفاعلية بحيث تستشرف توقعات المواطنين وتستجيب لها قبل وقوع المشكلات بدلا من الاقتصار على الرقابة التقليدية بعد حدوث الخطأ وهو ما يعكس التزام الدولة بتقديم خدمات عامة تواكب تطلعات المواطنين وتحقق رضاهم.

كما تناول البرنامج منهجية إدارة الأداء العمومي القائمة على النتائج والتي تمر بأربع مراحل مترابطة وهي الالتزام والتخطيط لتحديد الأولويات وفق حاجات المواطنين، التنفيذ الذي يحول الخطط إلى برامج عملية، التعلم والتكيف الذي يحلل النتائج ويعالج المخاطر لتحسين الأداء المستقبلي وأخيرا المساءلة وتقديم التقارير لتعزيز الشفافية وتمكين المواطنين من متابعة الأداء والمحاسبة، وبهذا يصبح المواطن شريكا في العملية الإداري، مستفيدا يسعى إلى جودة الخدمة ومساهما يراقب الشفافية وممولا يطالب بالكفاءة في استخدام الموارد العامة.

وعلى صعيد البيانات والإحصائيات أبرز البرنامج الحاجة الملحة لتطوير الرقابة العمومية، إذ لا تتجاوز نسبة تنفيذ التوصيات الرقابية 40٪ في بعض المؤسسات وسجلت تونس 325 عملية تمويل خارجي منها 113 هبة و99 قرضا بينما بلغ الدين العمومي 112.3 مليار دينار أي ما يعادل 92.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2021 ما يشير إلى ضرورة تبني آليات رقابية أكثر ذكاء وفعالية في إدارة الموارد وتحقيق النتائج المرجوة، كما تم مناقشة أبرز التحديات البنيوية التي تعيق فعالية الرقابة مثل نقص الكفاءات، ضعف التنسيق بين الأجهزة الرقابية، تعقيد النصوص القانونية، تأخر الرقمنة ومحدودية الشفافية في نشر نتائج التقارير مع اقتراح حلول عملية تشمل تحديث التشريعات بما يتوافق مع المعايير الدولية، تعميم أنظمة الجودة والابتكار، اعتماد التحول الرقمي، توحيد قواعد البيانات، إدماج الذكاء الاصطناعي لتحليل المخاطر ومتابعة الأداء ونشر النتائج بانتظام لتعزيز المساءلة.

واختتم البرنامج بعرض نموذج الثقة والحوكمة والأداء الذي يوضح أن الثقة بين المواطن والدولة لا تتحقق إلا من خلال حوكمة رشيدة وأداء فعال، مؤكدا على أن الرقابة العمومية الحديثة يجب أن ترتكز على الابتكار والشراكة والتعلم المستمر بحيث تتحول من وسيلة لملاحقة الأخطاء إلى أداة لصناعة القيمة ويصبح المواطن شريكا فاعلا في إدارة الدولة مما يضمن إدارة عمومية أكثر شفافية وفعالية ويعزز الثقة ويخدم الوطن والمواطن معًا.

وقد أثنى عدد من المشاركين في البرنامج على هذا المنهج مشيرين إلى أن الرقابة المبنية على النتائج والابتكار تتوافق مع المبادئ الدولية للحوكمة الرشيدة التي توصي بها منظمات مثل OECD وUNDP وتؤكد على ضرورة الربط بين التشريعات الوطنية والمعايير الدولية لتعزيز الشفافية والفعالية لاسيما في المؤسسات ذات الصلاحيات الكبيرة في إدارة الموارد العامة بما يحقق أهداف التنمية المستدامة ويقوي مناخ الثقة بين الدولة والمواطن.

كما تم التشديد على أهمية تطوير ثقافة مؤسسية قائمة على التعلم المستمر والتجديد وأن أي برنامج رقابي يجب أن يدمج بين الابتكار الرقمي والحوكمة المالية والرقابة التشاركية بما يضمن متابعة الأداء بموضوعية وتحقيق النتائج المرجوة وهو ما يعكسه بشكل واضح نموذج إدارة الابتكار ISO 56001 وارتباطه المباشر بالمعايير الدولية للجودة والإدارة ISO 21001.

وبناء عليه، أكدت جمعية أكسيا ممثلة في السيد عاد الغزي تقديرها الكبير للأستاذ كمال بن عامر على مساهمته القيمة في إثراء النقاش العلمي والعملي موضحة أن مثل هذه البرامج التكوينية تعزز من قدرة الهياكل العمومية على التحول إلى إدارة مبتكرة قائمة على الثقة والأداء وتحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في خدمة المواطنين بفعالية وشفافية وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع.

آخر الأخبار

فضل شاكر في قبضة الجيش اللبناني بعد سنوات من الاختفاء

فضل شاكر في قبضة الجيش اللبناني بعد سنوات من الاختفاء

طقس غير مستقر وأمطار ضعيفة متفرقة اليوم الاثنين

طقس غير مستقر وأمطار ضعيفة متفرقة اليوم الاثنين

باريس ـ استقالة مفاجئة في رئاسة الحكومة الفرنسية: لوكورنو يقدّم استقالته

باريس ـ استقالة مفاجئة في رئاسة الحكومة الفرنسية: لوكورنو يقدّم استقالته

مسرح الإدماج يفتح ستاره في أريانة: إبداع يتحدى الإعاقة في أول ملتقى جهوي

مسرح الإدماج يفتح ستاره في أريانة: إبداع يتحدى الإعاقة في أول ملتقى جهوي

الرقابة العمومية المعاصرة بين دمج الحوكمة الابتكار  والشراكة مع المواطنين

الرقابة العمومية المعاصرة بين دمج الحوكمة الابتكار  والشراكة مع المواطنين

Please publish modules in offcanvas position.