في زمن الأزمات والتحديات المالية والإدارية التي تعصف بالأندية التونسية، يظل "سوسيوس النادي الإفريقي" أحد أبرز النماذج في العمل الجماعي المنظّم والمواطني، الذي يسعى لحماية الفريق والدفاع عن تاريخه العريق بعيدًا عن الحسابات السياسية أو الشخصية.
⚖️ ما هو "السوسيوس"؟
"السوسيوس" هو هيكل مواطنيّ تأسّس كجمعية مستقلة هدفها دعم النادي الإفريقي ماليًا ومعنويًا، وإرساء ثقافة المشاركة الفعلية لجماهير الفريق في القرارات المصيرية. وهو مستوحى من تجارب عالمية ناجحة، أبرزها في إسبانيا (برشلونة وريال مدريد)، حيث يكون للجمهور دور يتجاوز التشجيع إلى المساهمة في تسيير الشأن العام الرياضي.
💰 تمويل... بلا شروط ولا منّة
ساهم "سوسيوس الإفريقي" بشكل فعّال في دعم خزينة النادي في أوقات حرجة، من خلال حملات تبرّع جماهيرية شاملة وشفّافة. ملايين الدنانير ضُخّت في حسابات الفريق لإنقاذه من العقوبات وتسوية ملفّات خطيرة في نزاعات مع لاعبين وفنيين سابقين.
لكن ما يُميز هذا الدعم هو اللا مشروطية، إذ لا يسعى السوسيوس إلى مناصب أو سلطة، بل إلى تصحيح مسار نادٍ كبير يعاني منذ سنوات من ارتجال التسيير وتقلّب الإدارات.
🧠 قوة اقتراح وضمير يقظ
بعيدًا عن المال، يقدّم "السوسيوس" نفسه كقوة تفكير واقتراح، حيث نظّم ندوات وورشات تفكير جمعت مختصين في الاقتصاد الرياضي، القانون، والحوكمة. ويعتبر الكثير من منخرطيه أن مهمتهم الأساسية ليست فقط إنقاذ الإفريقي، بل إعادة بناءه على أسس متينة تليق بتاريخه وجماهيريته.
🔍 توتر مع الإدارات المتعاقبة
ورغم نبل الأهداف، لم تكن العلاقة دائمًا سلسة بين "السوسيوس" والإدارات المتعاقبة على تسيير النادي. فقد ظهرت حالات تهميش، ورفض للاعتراف الحقيقي بهذا المكوّن الجماهيري، الذي يُخيف بعض المسؤولين برؤاه الجريئة وصرامته في المراقبة والمساءلة.
ورغم ذلك، يواصل "السوسيوس" العمل بنفس طويل، مؤمنًا بأن التغيير الحقيقي لا يأتي من القطيعة، بل من الصمود والتراكم.
🧭 نحو استقلالية تمويل واستدامة مالية
إن مواصلة عمل "السوسيوس" بشكل مستقل عن الهيئة المديرة للنادي الإفريقي، يمثل ضرورة قصوى للحفاظ على مصداقيته وفاعليته.
فبخلاف مداخيل الانخراطات السنوية، يجب أن يعزّز السوسيوس مصادر تمويله الذاتية من خلال بيع التذاكر الافتراضية لفائدة الجماهير التي لا تستطيع حضور المباريات في الملاعب، وكذلك التذاكر الخاصة بالتنقلات خارج العاصمة، وهو ما من شأنه أن يوفّر للنادي حزامًا ماليًا دائمًا وجاهزًا للتدخل عند الحاجة.
فالتفكير في حلول تمويل جماهيرية ذكية ومستدامة هو السبيل الوحيد لفك ارتباط الفريق بالأزمات المتكرّرة والضغوط الظرفية.
✅ "سوسيوس النادي الإفريقي" ليس جمعية عابرة، بل ضمير جماهيري حيّ، يُذكّر الجميع بأن الإفريقي ملك جماهيره، وبأن النادي الكبير لا يُبنى بالشعارات، بل بالعقول والقلوب التي تنبض عشقًا وانتماءً. والاستقلالية والابتكار في التمويل ليست ترفًا، بل شرطًا للبقاء والسيادة.