في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، فاجأ الرئيس محمود عباس مساء الأحد 26 أكتوبر 2025، الجميع بإصدار إعلان دستوري جديد يعيد رسم ملامح المرحلة القادمة داخل النظام السياسي الفلسطيني، ويفتح الباب أمام سباق مفتوح على خلافته.
فقد نصّ الإعلان على أنه في حال شغور منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، يتولى نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس دولة فلسطين، مهام الرئاسة مؤقتاً لمدة لا تتجاوز تسعين يوماً، تُجرى خلالها انتخابات رئاسية مباشرة وفق قانون الانتخابات الفلسطيني.
وفي حال تعذّر تنظيم الانتخابات خلال تلك المدة لأسباب “قاهرة”، يتم تمديد الفترة لمرة واحدة فقط بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة إلى محاولة فرض انتقال سلس ومضبوط للسلطة.
وجاء في نص الإعلان، الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية “وفا”، أنه يلغي الإعلان الدستوري رقم (1) لسنة 2024، “حفاظاً على المصلحة الوطنية العليا وضماناً لاستمرارية المؤسسات الرسمية ومنع أي فراغ في الحكم”.
وقال الرئيس محمود عباس في البيان الرسمي:
"إن كرامة الوطن من كرامة أبنائه، وحماية النظام السياسي الفلسطيني واجب وطني، يفرض علينا صون المؤسسات وضمان استمرارية عملها في كل الظروف."
⚡ صدمة سياسية وردود فعل متباينة
أثار القرار عاصفة من الجدل داخل الساحة الفلسطينية.
فبينما رحّبت حركة فتح بالخطوة ووصفتها بـ"الضمانة الدستورية للاستقرار"، اعتبرت حركة حماس أنّها "محاولة للالتفاف على التوافق الوطني، وتكريس التفرد بالقرار السياسي".
أما الجهاد الإسلامي فرأت أنّ الإعلان “فاقد للشرعية ما لم يأتِ ضمن مصالحة وطنية شاملة”.
ويرى محللون أنّ عباس يسعى من خلال هذا الإعلان إلى تحصين النظام من الفراغ الدستوري في حال غيابه المفاجئ، لكنه في الوقت نفسه يرسم ملامح المرحلة القادمة بطريقته الخاصة، ما قد يُفجّر خلافات حول من سيخلفه في السلطة.
🧭 رسالة داخلية وخارجية
خطوة عباس، بحسب المراقبين، ليست فقط موجهة إلى الداخل الفلسطيني، بل هي إشارة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن القيادة الفلسطينية تمتلك آلية قانونية منظمة لانتقال الحكم، بعيداً عن الفوضى أو الانقسامات.
كما يرى البعض أنّ هذا القرار يعيد ترتيب البيت الفتحاوي الداخلي، ويمنح الشرعية المسبقة لنائب رئيس اللجنة التنفيذية ليكون الوريث الدستوري المؤقت، ما قد يُمهّد لتحالفات جديدة داخل الحركة وخارجها.
🔥 سباق الخلافة بدأ فعلاً؟
يؤكد عدد من المحللين أنّ الإعلان الدستوري الجديد يُشعل فعلياً سباق الخلافة في رام الله، بعد سنوات من التكتم والغموض حول من سيقود السلطة بعد عباس، الذي تجاوز عامه الـ89 وما زال يحتكر القرار السياسي والأمني والديبلوماسي.
فبين جناح حسين الشيخ المقرّب من عباس، والتيار الأمني بقيادة ماجد فرج، وأسماء أخرى داخل حركة فتح، تبدو المعركة المقبلة حول الشرعية والموقع والرؤية أكثر سخونة من أي وقت مضى.
📍 خلاصة المشهد:
ما بين من يعتبره “خطوة ضرورية لحماية النظام الفلسطيني”، ومن يراه “مناورة لتوريث السلطة”، يبقى إعلان محمود عباس حدثًا مفصليًا يفتح الباب على تحوّلات كبرى في المشهد الفلسطيني، ويضع الجميع أمام سؤال واحد:
هل بدأ فعلاً زمن ما بعد عباس؟



