على خلفية توتر مستمر على الحدود الجنوبية، خرج الرئيس اللبناني جوزيف عون يوم الجمعة، ليعلن خيار بلاده الحاسم: التفاوض مع إسرائيل، مؤكداً أن لبنان لن يخوض حرباً جديدة، وأن الحوار هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار وحماية المواطنين من تبعات الصراع.
وقال عون خلال لقائه وفد مجلس الأمن الدولي: "الحروب لا تجلب إلا الدمار والمعاناة، ونحن مقتنعون بأن التفاوض هو الطريق الوحيد لإيجاد حلول للمسائل العالقة، بعيداً عن الخسائر البشرية والاقتصادية". وأضاف: "هذه المفاوضات ليست لإرضاء المجتمع الدولي، بل هي لمصلحة لبنان وحده. لقد اتخذنا القرار، ولا مجال للعودة إلى الوراء".
وعن أهداف التفاوض، أشار الرئيس إلى أنها تتعلق بوقف الأعمال العدائية الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، واستعادة الأسرى، وتصحيح النقاط المختلف عليها عند الخط الأزرق، والانسحاب من المناطق المحتلة. لكن عون حذر: "نجاح هذه المفاوضات مرتبط بشكل مباشر بموقف إسرائيل، الذي سيحدد ما إذا كانت النتائج ستكون إيجابية أم ستبوء بالفشل".
دور الجيش اللبناني كان محور حديث آخر للرئيس، إذ شدد على أن مهامه تتجاوز جنوب الليطاني لتشمل كامل الأراضي اللبنانية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والتهريب، وضبط الحدود، وحماية المقرات الرسمية. وقال: "الجيش يحتاج إلى الدعم الكامل لمواصلة أداء مهامه بفعالية، لأنه الركيزة الأساسية لاستقرار لبنان".
أما عن اليونيفيل، فأكد الرئيس أن التنسيق بين الجيش اللبناني والقوات الدولية مثالي، مشيراً إلى أن لبنان يرحب بأي دولة ترغب في إبقاء قواتها لدعم الجيش بعد انسحاب اليونيفيل نهاية 2027.
في ما يخص حصرية السلاح، اعتبر عون هذا الموضوع أحد الأهداف الاستراتيجية للبنان: "لا عودة عن هذا القرار، وجميع القوى المسلحة غير الشرعية خارج القانون، لأن اللبنانيين تعبوا من الصراعات الداخلية ويريدون أن تكون القوات الشرعية وحدها من تحمل السلاح".
من منظور تحليلي، يبدو أن لبنان يسعى من خلال هذه المفاوضات إلى تأمين حد أدنى من الاستقرار الأمني والسياسي، مع الحفاظ على قدراته الدفاعية دون الانجرار إلى مواجهة عسكرية جديدة قد تضعف الدولة اقتصادياً وسياسياً. وتشير مواقف عون إلى استراتيجية واضحة تعتمد على التوازن بين التفاوض والردع العسكري والضغط الدولي، ما يعكس إدراك القيادة اللبنانية لحساسية الوضع على الحدود الجنوبية والتداعيات المحتملة لأي تصعيد.
في ظل هذا السياق، يبقى السؤال الأكبر: هل ستنجح المفاوضات في تحقيق اختراق فعلي مع إسرائيل أم أن لبنان سيظل محاصراً بين رغبة الحفاظ على السلام وتحديات الواقع الإقليمي المعقد؟



