اختر لغتك

السلوكيات المحفوفة بالمخاطر لدى الأطفال والشباب في زمن تتقاطع فيه الأزمات وتشتد للتحديات

السلوكيات المحفوفة بالمخاطر لدى الأطفال والشباب 

في زمن تتقاطع فيه الأزمات وتشتد للتحديات باتت السلوكيات المحفوفة بالمخاطر لدى الأطفال واليافعين مؤشرا حقيقيا على تصدع صامت في منظومتنا المجتمعية والتربوية ونذيرا يدعونا إلى وقفة تأمل جادة وقرار حاسم لإعادة صياغة مقاربتنا الوقائية.

هذه السلوكيات لا تنشأ من فراغ لكنها تتغذى من تراكمات نفسية واجتماعية واقتصادية وتترجم غالبا على شكل عنف، إيذاء ذاتي، تعاط خطير مع التكنولوجيا، هروب من الدراسة، اضطرابات في الهوية والانتماء أو حتى سلوكيات جنسية غير محمية، وهي ليست فقط أزمات فردية لكنها مرآة تعكس هشاشة النسيج الاجتماعي وضعف شبكات الأمان المحيطة بالطفل والشاب.

ومن هذا المنطلق، جاءت مبادرة اليوم التحسيسي الذي نظمته منظمة أندا العالم العربي لتكون منصة حوارية فريدة قدمها السيد بلال بن طالب بمشاركة السادة الاسعد بوصبيع والسيدة سنية الشرفي ليكون بذلك محطة فارقة في إعادة طرح هذه الإشكاليات على طاولة الحوار المجتمعي حيث تمت مقاربتها من زوايا متعددة شملت البعد الصحي، النفسي، القانوني، والتربوي، غير أن ما أفرزه هذا اللقاء من خلاصات تجاوز حدود التوصيات النظرية ليضعنا جميعا أمام تحد وطني واضح ألا وهو حماية أطفالنا وشبابنا مسؤولية جماعية لا تقبل التجزئة.

ولعل ما يجب التوقف عنده بعمق هو أن أي استجابة فعالة لهذه الظواهر لا يمكن أن تبنى فقط على التدخلات الأمنية أو العقابية بل يجب أن تؤسس على رؤية وقائية شاملة قاعدتها الأساسية هي الأسرة وعمودها الفقري هو المدرسة وحلقتها المتينة هي المجتمع المدني وروحها الحية هي الاستماع الحقيقي للأطفال والشباب.

فالأسرة باعتبارها الخلية الأولى للتنشئة تعد الفضاء الأول الذي يزرع الثقة أو يولد الانكسار، فحين تحرم الأسرة من أدوات التربية وتثقلها الضغوط المعيشية وتتآكل فيها جسور التواصل يصبح الطفل أكثر عرضة للتيه والانغلاق أو الانفجار، وهنا تبرز الحاجة الماسة إلى دعم الأسرة لا فقط كمستهلك للسياسات لكن كشريك فعلي في الوقاية والتوجيه.

أما المجتمع المدني، فهو العين الساهرة التي تلتقط الإشارات المبكرة وهو اليد الممتدة للمدرسة والأسرة ودوره لا يقتصر على التوعية والتنشيط إنما لابد من أن يتحول إلى قوة اقتراح ومرافقة وإلى مساحة آمنة يعبر فيها اليافعون عن ذواتهم دون خوف أو تهميش.

من جهة أخرى، تعد المدرسة نقطة الالتقاء الجوهرية بين الطفولة والمؤسسات ولكن حين تنغلق المدرسة على المناهج وتفشل في بناء علاقات ثقة مع التلاميذ تفقد دورها التربوي، لذلك فإن إعادة الاعتبار للمدرسة كفضاء حواري وتربوي شرط أساسي لحماية النشء.

في المقابل، لا يمكن أن تنجح هذه المقاربة دون إرادة سياسية صادقة تحول حماية الطفولة من شعارات إلى أفعال ومن قوانين جامدة إلى ممارسات يومية حية، إذ أن غياب العدالة المجالية وتفاقم البطالة وانتشار المخدرات وتدهور الصحة النفسية جميعها وقود يغذي دوائر الخطر التي تهدد أبناءنا.

في الختام، يمكن القول إن ما كشفت عنه مداولات هذا اليوم التحسيسي ليس فقط هشاشة الوضع لكن الحاجة المستعجلة إلى بناء مقاربة مجتمعية متكاملة تؤمن أن الطفل ليس مشكلة تحتاج إلى حل ولكنه كائن كامل الحقوق يحتاج إلى رؤية مجتمعية متكاملة تتشارك فيها الدولة، الأسرة، المدرسة، والمجتمع المدني كل من موقعه ولكن بروح جماعية موحدة.

فلا حماية بدون وقاية ولا وقاية بدون تواصل ولا تواصل بدون ثقة وحين ننجح في بناء تلك الثقة يمكننا أن نحول السلوكيات المحفوفة بالمخاطر من أزمات صامتة إلى فرص حقيقية للتلاحم المجتمعي والتنمية الإنسانية المستدامة.

آخر الأخبار

موزاييك تتجاوز الخطوط الحمراء... والإفريقي يصعّد بلغة النار والبيان!

موزاييك تتجاوز الخطوط الحمراء... والإفريقي يصعّد بلغة النار والبيان!

🔮 "الزيارة" تفتح أبواب السماء من هرقلة: عرض صوفي يهز الأرواح ويبعث الذاكرة من رقادها

🔮 "الزيارة" تفتح أبواب السماء من هرقلة: عرض صوفي يهز الأرواح ويبعث الذاكرة من رقادها

🎼 جمعة الجريدي… الطبيب الذي يعزف للكتب!

🎼 جمعة الجريدي… الطبيب الذي يعزف للكتب!

🌟 نعيمة بن عمار... سيدة الشاشة التي تغني عن جيش من المنشطين!

🌟 نعيمة بن عمار... سيدة الشاشة التي تغني عن جيش من المنشطين!

🎬 لطفي بندقة... من المسرح إلى الشاشة، نجاح يتلوه نجاح!

🎬 لطفي بندقة... من المسرح إلى الشاشة، نجاح يتلوه نجاح!

Please publish modules in offcanvas position.