في ليلة الثالث عشر من أوت 2025، تقاطعت رمزية عيد المرأة التونسية مع الهواجس الوطنية والإنسانية على ركح مهرجان قرطاج الدولي، حيث أطلت الفنانة التونسية صوفية صادق في عرضها الموسيقي الماتع "سيدتي"، لتحيي ليلة استثنائية حملت في طياتها الطرب والانتماء والذاكرة.
عودتها إلى ركح قرطاج بعد غياب دام ثماني سنوات كانت لحظة انتظرها جمهورها العريض الذي حضر بكثافة وتفاعل بحرارة منذ اللحظات الأولى.
احتفاء بالمرأة التونسية
تزينت شاشات المسرح بأسماء وصور نساء تونسيات رائدات مثل بشيرة بن مراد، توحيدة بالشيخ، وهند صبري، في إشارة واضحة إلى إسهاماتهن في الفنون والمجتمع والسياسة. ومع توشح الشاشات بعبارة "كل عام ونساء تونس بألف خير"، تجسدت روح الاحتفال بعيد المرأة التونسية، في حدث واكبته كل من وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي ووزيرة المرأة أسماء الجابري، في إطار احتفاء وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن.
رحلة موسيقية عبر المقامات
تنقلت صوفية صادق بين مقامات البياتي، الكردي، الراست، والحجاز، مقدمة الأغنية الطربية برؤية معاصرة دون المساس بالقيم الجمالية للموسيقى العربية الكلاسيكية. برفقة فرقة موسيقية بقيادة المايسترو راسم دمق، قدمت أداءً صوتيًا متمكنًا، حيث تراوحت بين النشيد الجماعي والفردي، والقصائد الطربية، والموشحات، والأغاني الرومانسية والوطنية، فضلاً عن المواويل التي اشتهرت بها في إعاداتها لأغاني كوكب الشرق أم كلثوم.
مخطط عاطفي مدروس
لم يكن برنامج صوفية صادق مجرد عرض موسيقي، بل مسارًا عاطفيًا ينتقل من الانتماء إلى الحنين، ومن الغزل إلى الثورة، مستبطنًا حكايات المرأة بكل أبعادها. بدأت الحفل بكوكتيل وطني تضمن أغاني "يا تونس"، "تونس يا بلد النصر"، "عهد الله"، "يا بلادي أنت شمس"، و"أقسمت بالوطن"، حيث أعلنت عشقها لتونس وأشادت بحقوق المرأة التي منحها إياها الوطن، وهي حقوق قد تبدو بديهية لكنها تظل حلمًا بعيدًا لنساء في دول أخرى.
من الحنين إلى العاطفة
انتقلت الأجواء إلى منحى عاطفي مع أغانٍ مشحونة بالشجن مثل "أنا فايقة"، "خدعونا"، "حرام عليك"، "تعرفني أنا نموت عليك"، و"من الغربة ملينا". هذه الأغاني استحضرت صورة المرأة التي تحب، تخسر، ثم تنهض كطائر الفينيق. وفي الكوكتيل التونسي، برزت براعة العازف البشير السالمي على أوتار كمنجته، حيث استحضرت أغاني "بنت العرجون"، "بالله يا حمد"، "ساق نجعك"، "مريض فاني"، و"أليف يا سلطاني" الذاكرة الغنائية الجمعية للجمهور.
اللهجة التونسية والطابع الشرقي
أضافت صوفية صادق لمسة تونسية خالصة عبر أغاني باللهجة المحلية مثل "عامل في لنحبو"، "تدلل"، "برا عمل على روحك"، "يهبل"، و"يا مجنون"، التي عكست ارتباط الفن ببيئته. ومع الكوكتيل الشرقي، عادت بالجمهور إلى زمن الطرب الأصيل بأغاني "تحلى الليالي"، "مراسيلك"، و"عشقتك"، مؤكدة قدرتها على الجمع بين العمق التونسي والانفتاح على الموسيقى الشرقية.
فلسطين: البوصلة والكرامة
لم تغفل صوفية صادق قضية فلسطين، فخصصت لها فصلاً بعنوان "فلسطين"، تضمن أغاني "القدس تصيح"، "استيقظي يا أمتي"، و"إله العرش"، حيث تحول الركح إلى منصة للتعبير عن الرفض والغضب والأمل. كما حملت إرث الأغنية الملتزمة عبر أغنية "شيد قصورك" للشيخ إمام، ونهلت من تراث أم كلثوم بأغاني "الحب كله"، "أغدا ألقاك"، و"بعيد عنك".
ختام بمقام الكردي
قبل مغادرتها الركح، عادت صوفية صادق إلى مقام الكردي الذي استهلت به الحفل، لتختتم بأغنية "يا تونس"، مؤكدة أن تونس هي البداية والنهاية. كان حفلها مسارًا موسيقيًا جمع بين الوطن، الحب، والذاكرة، حيث كانت المرأة عنوان كل أغنية، ظاهرًا وباطنًا.