بقلم منصف كريمي
في خطوة جريئة تعبّر عن إرادة سياسية لإنهاء معضلة بيئية مزمنة، قرّر رئيس الجمهورية تكليف المهندس التونسي علي بن حمّود، المتخصّص في البتروكيمياء والمتخرّج من جامعة شنغهاي للصناعات الكيميائية، بمهمة متابعة ملفّ التلوّث الصناعي في ولاية قابس، التي ظلت على مدى أكثر من نصف قرن عنوانًا للألم والمعاناة البيئية والصحية.
وجاء هذا القرار عقب لقاء رسمي جمع بن حمّود برئيس الجمهورية يوم 8 نوفمبر الجاري بقصر قرطاج، خُصّص لتشخيص الوضع البيئي المتردّي في قابس، ومناقشة سبل إيجاد حلول عملية وجذرية لتفكيك الوحدات الصناعية الملوّثة، والانتقال نحو نموذج تنموي نظيف ومستدام.
تكليف وطني واستنفار بيئي
اختيار الرئيس لهذه الكفاءة الوطنية لم يكن اعتباطيًا، بل جاء استنادًا إلى ما يتميّز به بن حمّود من مسيرة علمية ومهنية حافلة وعطاء وطني صادق. وقد أوكلت إليه مهمة تشكيل فريق عمل من المختصين والباحثين لوضع حلول فورية للحدّ من الانبعاثات الملوّثة، في انتظار وضع رؤية استراتيجية شاملة لإنهاء الأزمة.
مناضل بيئي قبل أن يكون مهندسًا
في تصريح خصّ به “الصحافة”، عبّر علي بن حمّود عن فخره بلقاء رئيس الجمهورية، مؤكدًا أن هذه الدعوة “ليست مجرّد تكليف إداري، بل هي مسؤولية وطنية تهدف إلى إنهاء جريمة التلوّث التي أنهكت قابس وسكانها منذ أكثر من خمسين عامًا”.
وأضاف أن رؤيته تقوم على “تفكيك الوحدات الملوّثة بالكامل بدل الاكتفاء بالحلول الترقيعية”، مشدّدًا على أن قابس قادرة، بعد إزالة التلوث، على التحول إلى قطب تنموي بديل بفضل ما تملكه من مقومات فلاحية وسياحية وبحرية وصناعية نظيفة.
كفاءة تونسية بخبرة عالمية
يُعدّ علي بن حمّود من أبرز الخبرات التونسية في مجال الصناعات الكيميائية، وقد عمل لسنوات على مشاريع علمية تهدف إلى تثمين مادة الفوسفوجيبس ومنع إلقائها في البحر، واقترح في عديد المناسبات حلولًا تقنية قابلة للتطبيق، لكنها لم تلق التفاعل السياسي المطلوب في الفترات السابقة.
اليوم، وبعد أن وضعت الدولة ثقتها فيه، يرى بن حمّود أن “الفرصة سانحة لتوحيد الجهود وإعادة الأمل لأهالي قابس الذين لطالما طالبوا بالعدالة البيئية”.
نحو “قابس جديدة”
خطوة تكليف كفاءة وطنية من طينة علي بن حمّود تعبّر عن تحوّل حقيقي في التعاطي مع ملف التلوّث، وعودة إلى الثقة في القدرات التونسية لإيجاد حلول ذاتية لمشاكل تنموية عالقة منذ عقود.
ويُنتظر أن يُعلن خلال الأيام القادمة عن تركيبة فريق العمل الوطني الذي سيتولّى بلورة خطة الإنقاذ البيئي، في إطار رؤية متكاملة تستهدف ليس فقط إزالة التلوث، بل أيضًا تحويل قابس إلى نموذج بيئي وتنموي يحتذى به في تونس والعالم العربي.
