شهد الدولار الأمريكي في الآونة الأخيرة تراجعًا لافتًا أمام العملات الرئيسية، ليبلغ أدنى مستوياته منذ عام 2022 مقابل اليورو، في تطوّر يراه البعض بداية لتحوّل استراتيجي في السياسات المالية الأمريكية، بينما يراه آخرون مؤشرا مقلقًا على تصاعد حالة عدم اليقين. في هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي والوزير الأسبق محسن حسن، في تصريح لـ"موزاييك"، أن هذا الانخفاض يعود إلى التوجّه الاقتصادي والتجاري للإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب.
مقالات ذات صلة:
تونس تعزّز شراكتها مع الأمم المتحدة لدعم حقوق المرأة والإدماج الاقتصادي
جنوب السودان يتصدر قائمة أسرع الاقتصادات نمواً عالميًا في 2025
ترامب يعيد إحياء الكابوس الاقتصادي: هل تتكرر كارثة سموت-هاولي؟
ترامب يُربك الأسواق
وأشار حسن إلى أن السياسات الاقتصادية الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق – والحالي الطامح للعودة – دونالد ترامب، خلقت حالة من عدم الاستقرار والثقة في الأسواق الدولية، ما أدى إلى موجة بيع في البورصات الأمريكية، طالت الأسهم وسندات الخزينة. وقد انعكس هذا القلق في الأسواق مباشرة على سعر صرف الدولار، الذي شهد انخفاضًا واضحًا خاصة أمام اليورو والين الياباني.
ارتدادات إيجابية على الاقتصاد التونسي
رغم هذا التراجع الذي أقلق الأسواق العالمية، يرى محسن حسن أن هناك مكاسب محتملة لتونس من هذا الانخفاض، خاصة على المدى القصير، من بينها:
* تقليص كلفة الواردات الأساسية: باعتبار أن جزءًا كبيرًا من واردات تونس من المواد الغذائية والطاقة يتم تسديدها بالدولار، فإن تراجع قيمته يعني تقليص الفاتورة بالعملة المحلية.
* خفض خدمة الدين الخارجي: بما أن 26% من خدمة الدين الخارجي التونسي يتم بالدولار، فإن الانخفاض في سعره سيمكن من تقليص حجم ما تسدده الدولة بالعملة المحلية، مما يخفف الضغط على الميزانية.
* تحسّن الاحتياطي من العملة الصعبة: تراجع قيمة الواردات وخدمة الدين، سيساهم في تحسين صافي الموجودات من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي.
نحو استراتيجية أمريكية متعمّدة؟
ويرى حسن أن هذا التراجع في قيمة الدولار قد لا يكون مجرّد نتيجة لحالة عدم اليقين، بل قد يكون خيارًا استراتيجيًا للإدارة الأمريكية، التي قد تسعى عمدًا إلى إضعاف العملة الخضراء لتعزيز تنافسية الصادرات الأمريكية. ذلك أن انخفاض قيمة الدولار يسهم في جعل المنتجات الأمريكية أرخص في الأسواق الخارجية، ما يعزز من أداء الصادرات.
الدولار... إلى مزيد من التراجع؟
يخالف محسن حسن التوقعات التي ترجّح استعادة الدولار لعافيته قريبًا، ويعتبر أن سياسة "الدولار الضعيف" قد تتواصل في المدى المنظور، ما يعني أن تونس وغيرها من الدول ذات الديون أو الواردات المرتبطة بالدولار قد تستفيد مرحليًا من هذا التراجع.
فرصة مرحلية تحتاج لسياسات ذكية
رغم أن انخفاض الدولار لا يحلّ كل أزمات الاقتصاد التونسي، إلا أنه يمثّل فرصة ظرفية لتقليص الضغط على الميزانية وتحسين موازين المدفوعات. لكن تبقى الاستفادة من هذه الفرصة رهينة اعتماد سياسات اقتصادية مدروسة، تواكب التحولات العالمية وتوظفها في خدمة الاقتصاد الوطني.