اختر لغتك

 

تونس واحتياطي الصبر الاجتماعي

تونس واحتياطي الصبر الاجتماعي

تونس واحتياطي الصبر الاجتماعي

حكومة الفخفاخ تسير على حافة الهاوية الاجتماعية، فاحتياطي الصبر المجتمعي في طور النفاد، والحزام المشدود على الطبقة الوسطى يكاد يتفتق، والزمن الصحي غير قابل للتأطير والتحديد.
 
 
تقف تونس اليوم أمام تحديين مختلفين حدود التناقض، أولهما التحدي الصحي ويتجلى من خلال التوافق الطبي العريض على التمديد في الحجر الصحي إلى بداية مايو القادم، وثانيهما التحدي الاجتماعي والاقتصادي حيث لا يختلف اثنان في وجود مؤشرات تبرم مجتمعي جراء إكراهات الحجر الصحي وتكلفته الاقتصادية الباهظة.
 
في الأثناء، يبدو أن سعي حكومة إلياس الفخفاخ إلى شد العصا من الوسط، عبر اعتماد مقاربة شاملة تقوم على تأمين الحجر الصحي الشامل وتقديم مساعدات اجتماعية للعائلات الفقيرة، يصطدم بعدة عراقيل على رأسها عجز الحكومة عن تقدير الزمن الصحي اللازم لبداية تفكيك الحجر الصحي وعودة عجلة التنمية، المتعثرة أصلا، إلى الدوران.
 
ولن نجانب الصواب إن قلنا بأن الدولة التونسية برمتها في مأزق استراتيجي لم تعرفه دولة الاستقلال من قبل، ذلك أن التخفيف من الحجر الصحي قد تكون له عواقب بشرية وخيمة، كما أن الاستمرار في الاستثمار في احتياطي الصبر الاجتماعي للمواطن التونسي قد يفضي إلى حالة من التصعيد المجتمعي الخطير، وحالة الانتظار الاستراتيجي للقاحات ناجعة ضد وباء كورونا قد تطول أشهرا وربما أعواما، والرهان على استفاقة ضمير الدائنين الدوليين للمساعدة رهان خاسر قبل الخوض فيه أصلا.
 
ما يستهدف الدولة التونسية حاليا، كامن في تحولها إلى إدارة جباية وماكينة لاستخراج الفواتير، دون قراءة عميقة لخطورة هذا النموذج على هيبة المؤسسات الوطنية
 
وإن أضفنا لكلّ ما سبق حالة من المراوغة القائمة على ترويج خطاب “ما بعد كورونا” وتأثيث مخيال خطابي عن قُرب تجاوز الأزمة دون تقديم مؤيدات واقعية له، فإنّ كل المؤشرات تؤكد أن الظرف صعب ومُقلق أيضا، فالكثير من الحروب تُكسب بتوجيه خطاب الهزيمة ضد العدو، ولكن الكثير من الحروب أيضا تُخسر بتوجيه خطاب النصر المتسرع والانتشاء الجمعي للأنصار.
 
لسنا في وارد تقييم الخطاب الاتصالي العام لحكومة الفخفاخ ولا لوزارة الصحة، ولكن أن تروج الحكومة لخطاب ما بعد الأزمة ونحن في خضمها، وقد نكون لم نصل بعد إلى ذروتها فهو من ضرب السراب الخطابي الذي كثيرا ما عانى منه الرأي العام التونسي خلال كافة المراحل السياسية وإن بتفاوت.
 
الآن، تدخل حكومة الفخفاخ مرحلة جديدة من منظومة شد الحزام، عبر إصدارها حزمة قرارات تبدأ من إلغاء وصولات الأكل والنقل للموظفين العموميين، إضافة إلى اقتطاع يوم عمل من القطاعين الحكومي والخاص، فيما تشير مناشير صادرة من وزارة المالية التونسية إلى وزارة تكنولوجيا الاتصال إلى توجه رسمي لتعليق الترقيات والانتدابات في الوظيفة العمومية.
 
في ذات السياق تتحدث مصادر مطلعة عن إمكانية زيادة في الأداءات وفق الدخل الشهري والسنوي، وهو ما سبق وأن أشار إليه الفخفاخ في تصريح صحافي سابق.
 
المفارقة أن كافة الحكومات التونسية وبلا استثناء، فرضت على الطبقة المتوسطة نفس الإكراهات التي فرضها صندوق النقد الدولي عليها، لنكون في الأخير حيال صورتين متطابقتين، دولة مفقرة بفعل الديون الثقيلة، وطبقة وسطى معدمة بفعل الأداءات المستمرة والمتواصلة.
 
ولا غرو، أن تمارس حكومة الفخفاخ ذات السياسات الاقتصادية المعتمدة سابقا، لا فقط لأن الوضع الحالي هو وضع أزمة استراتيجية يصعب بمقتضاها اجتراح سياسات جديدة، بل أيضا لأن كافة الحكومات استبطنت الحلول البسيطة والسهلة ولم تتجرأ على خوض الحرب الحقيقية على الفاسدين والمهربين والمحتكرين.
 
سعي حكومة إلياس الفخفاخ إلى شد العصا من الوسط، عبر اعتماد مقاربة شاملة تقوم على تأمين الحجر الصحي الشامل وتقديم مساعدات اجتماعية للعائلات الفقيرة، يصطدم بعدة عراقيل
 
تسير حكومة الفخفاخ على حافة الهاوية الاجتماعية، فاحتياطي الصبر المجتمعي في طور النفاد، والحزام المشدود على الطبقة الوسطى يكاد يتفتق، والزمن الصحي غير قابل للتأطير والتحديد، في ظل انعدام وجود لقاح في المدى المنظور.
 
وعوض أن تتحدث الحكومة عن ما بعد كورونا، عليها أن تجد حلولا اقتصادية واجتماعية في ظل كورونا، وألا تفكر بمنطق دولة الجباية حيث تفرض على المواطن والشركات المتوسطة دائرة مغلقة من الأداءات المجحفة، دون أن تقدم في المقابل مشاريع صحية وتعليمية وسكنية تشعره بقيمة الأداءات وبقيمة الدولة التي تستقي منه هذه المداخيل.
 
فلئن كانت إدارة الأزمة تقوم على التعاقد الاجتماعي لتقاسم الأعباء، فهذا العبء الاقتصادي الثقيل يجب أن يُوزع على كافة النشيطين في الدولة التونسية، ويجب أن يُبرم في ظل دولة المواطنة والحقوق والواجبات، لا دولة الجباية أو دولة الريع الجبائي.
 
ما يستهدف الدولة التونسية حاليا، كامن في تحولها إلى إدارة جباية وماكينة لاستخراج الفواتير، دون قراءة عميقة لخطورة هذا النموذج على هيبة المؤسسات الوطنية، وعلى المواطن الذي لن ينظر إلى الدولة بمنظور المواطنة المبنية على الحقوق والواجبات، بل من زاوية القلق والتذمر حيث تصبح قرينة لجمع الأداءات لا لخلق الثروات، ومتلازمة مع تجميع الجباية لا لتجميع المواطنين على تعاقد اجتماعي واحد.
 
 

آخر الأخبار

واشنطن تسابق الزمن لتجنب حرب شاملة: تحركات دبلوماسية مكثفة لردع إسرائيل عن ضرب بيروت

واشنطن تسابق الزمن لتجنب حرب شاملة: تحركات دبلوماسية مكثفة لردع إسرائيل عن ضرب بيروت

نادي الرياضة النسائية بالمكنين: إنتدابات بالجملة  إستعدادا للموسم القادم

نادي الرياضة النسائية بالمكنين: إنتدابات بالجملة  إستعدادا للموسم القادم

"قانون الشيك دون رصيد" يقر تعديلات جوهرية: هل سنشهد انفراجاً للمساجين؟

"قانون الشيك دون رصيد" يقر تعديلات جوهرية: هل سنشهد انفراجاً للمساجين؟

الوفد العراقي يهدد بالانسحاب من أولمبياد باريس 2024 بسبب العلم الإسرائيلي

الوفد العراقي يهدد بالانسحاب من أولمبياد باريس 2024 بسبب العلم الإسرائيلي

عرض رسمي من هيئة الترجي لضم بن رمضان لموسم واحد

عرض رسمي من هيئة الترجي لضم بن رمضان لموسم واحد

Please publish modules in offcanvas position.