اختر لغتك

حين تتعثر الإدارة... يضيع المواطن

حين تتعثر الإدارة... يضيع المواطن

حين تتعثر الإدارة... يضيع المواطن

في أي مجتمع حديث تعد العلاقة بين المواطن والإدارة محورا أساسيا لضمان استقرار النظام السياسي والاجتماعي، فهذه العلاقة ليست مجرد تفاعل إداري روتيني إنما هي انعكاس مباشر لمدى قدرة الدولة على تجسيد قيم العدالة والشفافية والمساواة في حياتها اليومية؛ ومن هنا، فإن نجاح هذه العلاقة يعتبر مؤشرا على حسن أداء المؤسسات بينما يعد تراجعها جرس إنذار يتطلب معالجة جادة وحازمة.

مقالات ذات صلة:

الإدارة بين هيبة الدولة وإهانة المواطن

مصر تؤكد تطلعها للتعاون مع الإدارة الأمريكية لتحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة

الإدارة الأمريكية تدرس رفع "هيئة تحرير الشام" من قائمة الإرهاب لتسهيل التعاون مع "الإدارة الجديدة في سوريا"

وبالعودة إلى واقع المؤسسات العمومية، يلاحظ أن تراجع بعض الآليات الإدارية التي أنشئت أساسًا لتحسين التواصل مع المواطن على غرار "الإدارة السريعة"، "مكتب العلاقة مع المواطن"، و"الرقم الأخضر" لا يمكن أن ينظر إليه بمعزل عن أهمية تفعيل آليات مكافحة الفساد وتعزيز المساءلة، فضعف هذه الهياكل لا يعد إخفاقا إداريا بقدر ما يعكس حاجة ملحة لإعادة النظر في آليات الرقابة والتقييم التي تضمن حسن تسيير المرفق العام.

وانطلاقا من هذا المعطى، يبرز دستور 2022 التونسي أهمية الشفافية والمساءلة والحوكمة الرشيدة وهي قيم تعد ضرورية لضمان إدارة فعالة تلبي انتظارات المواطنين، كما أن القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 المتعلق بحق النفاذ إلى المعلومات يمثل أداة محورية في تكريس هذا الحق، إذ يُمكن المواطن من الاطلاع على القرارات والإجراءات الإدارية بما يضمن وضوح الأداء الحكومي ويحدّ من التجاوزات؛ وبالتالي، فإن أي تراجع في فاعلية هذه الآليات يمثل تحديا لهذه المبادئ ويُؤثر بشكل مباشر على ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.

وبالحديث عن أبرز هذه الآليات، نجد أن الإدارة السريعة تعد نموذجا ناجحا في تقريب الخدمات من المواطن وتبسيط الإجراءات، إذ أسهمت هذه المبادرة في تقديم خدمات مرنة وسريعة ما ساهم في تخفيف العبء عن المواطن وتعزيز الثقة في المرفق العمومي، غير أن غياب هذه الآلية اليوم يبرز الحاجة إلى تعزيز آليات الرقابة والتقييم لضمان استمرارية هذه المبادرات وتحسين مردودها بما يخدم مصلحة المواطن، ولعل ما يؤكد هذه الضرورة هو ما ورد في القانون عدد 39 لسنة 1975 المتعلق بتنظيم الإدارة العامة حيث نص صراحة على ضرورة تبسيط الإجراءات وتحقيق النجاعة في تقديم الخدمات وهو التزام قانوني يوجب على المؤسسات العمومية الامتثال له.

وبالمثل، فإن مكتب العلاقة مع المواطن الذي شكل في الأصل ليكون همزة وصل بين المواطن والإدارة كان من المفترض أن يجسد أداة ناجعة تمكن المواطن من عرض مشاغله وتلقي ردود فورية، غير أن تراجع دوره ليصبح مجرد محطة روتينية يفتقر إلى النجاعة المطلوبة يحتم ضرورة تفعيل آليات رقابية تعيد لهذا المكتب مكانته ودوره الحيوي بما يتيح تعزيز ثقة المواطن وتحسين جودة الخدمات العمومية.

ولعل الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فقد أُنشئ الرقم الأخضر ليكون وسيلة تواصل فعالة تمكن المواطن من طرح مشاغله أو التبليغ عن التجاوزات أو طلب الإرشادات بيسر وسرعة؛ ومع ذلك، فإن غيابه التام في بعض الإدارات اليوم يطرح تساؤلات جوهرية حول ضرورة إعادة هيكلة هذه الخدمة وتطويرها بشكل يضمن استجابة سريعة وفعالة، وهذا يتوافق تماما مع ما نص عليه دستور 2022 في مادته 29 التي تكرس حق المواطن في الوصول إلى المعلومات والحصول على الخدمات بوضوح وسهولة.

وتأسيسا على ما سبق، فإن مواجهة هذه الإشكاليات تستوجب التزاما صارما بمكافحة الفساد باعتباره أحد أبرز العوامل التي تعيق نجاعة العمل الإداري، إذ إن غياب آليات رقابية صارمة يتيح انتشار المحسوبية وسوء التصرف في المرفق العام ما يهدد ثقة المواطن في مؤسسات الدولة؛ ومن هذا المنطلق، فإن تعزيز النزاهة في الإدارة يعد ضرورة قصوى لضمان حسن تسيير الشأن العام، ولتحقيق ذلك يعد اعتماد جملة من الإجراءات العاجلة أمرا ضروريًا، ويأتي في مقدمتها تعزيز آليات الرقابة والتقييم من خلال وضع برامج متابعة دورية تقيم مدى التزام الإدارات العمومية بتقديم خدمات ناجعة وفعالة مع مساءلة المسؤولين عن أي إخلال.

إلى جانب ذلك، فإن محاربة الفساد تستوجب تفعيل الهيئات الرقابية وتكثيف حملات التوعية حول خطورة الفساد وتأثيره على الأداء الإداري، ولا يقف الأمر عند هذا الحد إنما يتطلب أيضا تطوير قنوات التواصل مع المواطن عبر رقمنة الخدمات بما يضمن تقديم خدمات ميسرة، شفافة، وسريعة، ولضمان نجاح هذه الإصلاحات يعد تعزيز التكوين المستمر للإطارات الإدارية أمرا ضروريا لتأهيلهم بما يتماشى مع التطورات التقنية والإدارية الحديثة الأمر الذي يسهم في بناء إدارة أكثر كفاءة ونجاعة تواكب تطلعات المواطن وتجسد مبادئ العدالة والشفافية.

وفي نهاية المطاف، لا يعد تراجع فاعلية بعض الآليات الإدارية مجرد خلل تقني بل هو فرصة سانحة لمراجعة أداء المرفق العام وتعزيز آليات الحوكمة الرشيدة، فنجاح الإدارة في تحقيق أهدافها يعد حجر الأساس لضمان ثقة المواطن وتعزيز مكانة الدولة كضامن للحقوق والحريات؛ ومن هذا المنطلق، فإن الالتزام بمكافحة الفساد وتحقيق الشفافية يمثلان السبيل الأمثل لاستعادة نجاعة هذه الآليات وتحقيق إدارة حديثة تلبي تطلعات المواطن التونسي.

آخر الأخبار

ضربة قاسية لمانشستر سيتي.. إصابة هالاند تهز أحلام الألقاب! ⚡⚽

ضربة قاسية لمانشستر سيتي.. إصابة هالاند تهز أحلام الألقاب! ⚡⚽

الترجي يسقط في فخ صنداونز.. البلايلي معزول وكاردوزو يُعقّد مهمة المكشخة ⚽🔥

الترجي يسقط في فخ صنداونز.. البلايلي معزول وكاردوزو يُعقّد مهمة المكشخة ⚽🔥

أنيس الباجي.. نجم رمضان الذي خطف الأضواء بإبداعه الإعلامي 🌟

أنيس الباجي.. نجم رمضان الذي خطف الأضواء بإبداعه الإعلامي 🌟

دي جي خوان.. عندما يتحوّل الإبداع إلى بصمةٍ تلفزيةٍ لا تُمحى 🎶

دي جي خوان.. عندما يتحوّل الإبداع إلى بصمةٍ تلفزيةٍ لا تُمحى 🎶

شادو لايف ستايل: سفيرة الجمال والثقافة على الشاشة الصغيرة

شادو لايف ستايل: سفيرة الجمال والثقافة على الشاشة الصغيرة

Please publish modules in offcanvas position.