وصف عميد المهندسين التونسيين، محسن الغرسي، ما تعيشه البلاد من موجة غير مسبوقة لهجرة المهندسين بـ"الكارثة الوطنية"، مؤكدًا أن أكثر من 40 ألف مهندس غادروا تونس خلال السنوات الأخيرة، وسط تدهور غير مسبوق في منظومة الأجور وغياب التشريعات المنظمة للمهنة.
وكشف الغرسي أن "الإحصائيات الرسمية للعام الماضي سجلت هجرة 39 ألف مهندس، والعدد اليوم تجاوز 40 ألفًا"، مشيرًا إلى أن ما يقارب 95% من مهندسي الإعلامية اختفوا من السوق المحلية بعد التحاقهم بأسواق عمل أجنبية.
وتساءل الغرسي بمرارة:
"من سيتولى تنفيذ المشاريع الكبرى في تونس إذا كانت كفاءاتنا تُستنزف يومًا بعد آخر وتُستثمر في تنمية بلدان أخرى؟"
أجور مهينة وقوانين متقادمة
أرجع الغرسي هذا النزيف إلى تدني الأجور بشكل مخزٍ، حيث لا يتجاوز معدل أجر المهندس في القطاع العام 1500 دينار شهريًا، وهو ما اعتبره غير متناسب مع المؤهلات العلمية ومتطلبات الحياة، مؤكدًا أيضًا أن المرسوم المنظم للمهنة يعود إلى سنة 1982، ولم يعد يواكب متغيرات العصر.
ورغم تقديم عمادة المهندسين مشروع قانون أساسي جديد منذ 2018، إلا أن الملف لا يزال عالقًا في أروقة الحكومة دون حسم، ما فاقم الإحباط ورفع منسوب الهجرة.
مهندسو تونس.. عقول تصنع التقدم في دول أخرى
أوضح الغرسي أن المهندسين التونسيين اليوم يشكّلون قوة دافعة للرقمنة والإدارة الحديثة في عدد من الدول الإفريقية، كما أصبحوا هدفًا مباشرًا لسياسات الاستقطاب من قبل دول أوروبية وأميركية، وهو ما يعكس قيمتهم العالية وخسارة فادحة لتونس التي أنفقت على تكوينهم.
وأكد أن العمادة منفتحة على الحوار، لكنها تطالب الحكومة بتحرك عاجل لإنقاذ ما تبقى من طاقات وطنية قبل فوات الأوان.
معدل صادم: 20 مهندسًا يغادرون يوميًا
من جهته، كان العميد السابق كمال سحنون قد كشف عن أرقام مفزعة، حيث غادر 43٪ من المهندسين التونسيين البلاد، بمعدل 20 مهندسًا يوميًا، في موجة هجرة تسارعت بشكل خطير بعد جائحة كورونا، وبلغت ذروتها سنة 2022 حين غادر 6500 مهندس في عام واحد.
وأظهرت دراسة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية أن فارق الأجور الكبير بين الداخل والخارج (من 1000 دينار إلى أكثر من 3000 يورو) يمثل الدافع الأكبر خلف هذا النزوح الجماعي للكفاءات، محذرًا من أن الوضع يمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار الاقتصاد ونموذج التنمية في البلاد.