بقلم: عزيز بن جميع
ليست غنوة بن طارة مجرد صوت، بل حالة فنية نادرة تخرج من العمق التونسي لتلامس أفق العالم. حين اعتلت الركح في حفل خاص مؤخرًا، بدا صوتها كما لو كان موجًا يُلقي بأنشودته الأخيرة على الشاطئ، متلبّسًا بالشجن، مترجمًا للمشاعر، وصادقًا حدّ الطُهر.
لم تكن تؤدّي، بل كانت تتنفس نغمًا، وتحوّل الحنين إلى موجاتٍ تُصيب القلب مباشرة.
من رحم المسرح... إلى مسارح العالم
غنوة ابنة المسرح، تربّت في بيت عبد الغني بن طارة، أحد أعمدة الخشبة التونسية. من هناك، ورثت الوقوف بثبات على الخشبة، وإدراك أن الفن مسؤولية لا زينة. في صوتها صدى المسرح، واتزان المخرج، وصدق الممثّل.
هي ليست صوتًا نبت فجأة، بل ثمرة تربية فنية عميقة، وغرسٍ في أرض تعرف قيمة الكلمة والضوء.
عندما تُغنّي ويتني هيوستن... بروح تونسية
حين تؤدي أغاني ويتني هيوستن، لا تُقلّد ولا تُحاكي، بل تُعيد خلق الإحساس وتلوّنه برائحة الياسمين التونسي. تتقن التقنية، لكنّها لا تستعرضها؛ تغوص في عمق الأغنية وتُعيدها بروح شرقية ناضجة.
صوتها لا يصرخ... بل يُضيء، ولا يستعرض... بل يحتضن. هو صوت لا يُشبه غيره، لأنّه ببساطة يُشبهها.
صوت له ظلّ ورائحة
غنوة ليست مؤدية، بل قصيدة تُلقى بصوت. تمتلك قدرة نادرة على الجمع بين الحنان والاندفاع، بين التقنية العالية والعفوية المطلقة. حين تغنّي، لا تسمعها فقط، بل تشعر بظلّ صوتها ينعكس على جدران الذاكرة.
هي ليست مشروع نجم عابر، بل نبوءة صوتية تُنبت الجمال في زمن صاخب.
في زمن الضجيج... هناك صوتٌ يوقظ الروح
وسط الموج العارم من الأصوات المعلبة، يظهر صوت غنوة كحالة نقاء وصفاء. يُنصت قبل أن يغني، يهمس بدلاً من أن يصرخ، ويترك أثرًا عميقًا لا يُمحى.
هو صوت يُحترم لأنه لا يطلب التصفيق، بل يعوّل على اللمسة التي تتركها النغمة في الروح.
نداء لدعم صوت يستحق التتويج
غنوة بن طارة ليست فقط من أفضل الأصوات التونسية، بل هي مشروع سفيرة الصوت الأوبرالي التونسي للعالم. ما ينقصها ليس الموهبة، بل فقط المنصة التي تليق بها، والدعم الذي يُخرجها من دائرة التقدير الضيق إلى رحابة العالمية.
الإعلام، المؤسسات الثقافية، والمهرجانات مدعوّة اليوم لإعطاء هذه الموهبة ما تستحقه. دعم غنوة هو دعم لتونس، لفنّها، لهويتها، ولصورتها في الخارج.
حين يُغنّى الفن بلغة الصدق
غنوة بن طارة مشروع صوت لا يُنسى، وجسر بين الأصالة والحداثة، بين الشرق والغرب. وإن كنا نملك صوتًا بهذه القوة والصفاء... فهل نملك الشجاعة لنؤمن به كما يستحق؟
