بقلم: عزيز بن جميع
في قلب صفاقس، وعلى ركح مسرحي نابض بالحياة، قدّم الفنان رياض النهدي عرضًا استثنائيًا أعاد فيه التأكيد على مكانته كأحد أعمدة الكوميديا التونسية، وصوتًا فنيًا لا يمكن كتمه.
رغم حملات التشويه المغرضة والإشاعات التي لاحقته مؤخرًا، فإن النهدي واجه العاصفة بصفاء الموهبة، ووقف بثقة أمام جمهور عريض ليؤكد أن الفن الأصيل لا يسقط مهما اشتدت الرياح.
عبودة... صوت من لا صوت لهم
في عرضٍ جاء أشبه بخطاب مفتوح للجمهور، عاد رياض النهدي إلى شخصية "عبودة" بكل ما تحمله من بساطة وتعقيد. لم تكن عبودة مجرد قناع كوميدي، بل مرآة تعكس قلق المجتمع، وتلتقط نبض الشارع التونسي، بآلامه وسخريته وغضبه النبيل.
عبودة ليست شخصية... بل تجربة اجتماعية حقيقية تتجاوز الضحك، وتكشف هشاشة الواقع ببراعة. في أدائه، تنصهر السخرية بالحزن، وتتحول النكتة إلى صفعة لطيفة توقظ الغافلين.
فوق الشائعات... يعلو الفن
تعرض رياض النهدي، في الفترة الأخيرة، إلى سيل من الإشاعات والافتراءات الرخيصة، في محاولة لتشويه مسيرته. لكنه اختار الردّ بأسلوب الفنان الحقيقي: بالصمت على التفاهة، والإبداع على الحقد.
لقد كانت خشبة المسرح سلاحه النبيل، وكانت صفاقس منصة الانتصار. حيث لم يكن العرض مجرد أمسية، بل فعل مقاومة ثقافي راقٍ ضد الرداءة والتشويه.
صفاقس... جمهور وفيّ ومسرح حي
مدينة صفاقس، المعروفة بذائقتها الفنية العالية، استقبلت النهدي بحرارة استثنائية. تفاعل الجمهور كان كبيرًا، من الضحكات الصادقة إلى الدموع المكتومة. العرض لم يكن مناسبة عابرة، بل حدثًا ثقافيًا بامتياز، أعاد للمسرح التونسي نبضه الشعبي ووهجه الإنساني.
رسالة في الزمن الصعب: الفن لا يموت
يؤكد رياض النهدي من خلال هذا العمل، أن الإبداع الحقيقي لا يحتاج إلى إذن كي يُولد، ولا يتوقف أمام حملات التشكيك. وأن "عبودة" ليست نهاية، بل بداية جديدة لمسار فني متجدد، مشبع بالرسائل والإنسانية، قادر على اختراق الضجيج بقوة الصدق وحده.
رياض النهدي... توقيع لا يُزوَّر
في زمن تزدحم فيه الساحة بالأسماء، يبقى رياض النهدي علامة أصيلة في فن الكوميديا التونسية، و"شارلي شابلن العرب" الذي لا يكتفي بإضحاك الناس، بل يُفكّك الواقع، ويقدّم الفن كأداة وعي وتحرر.
هو ليس فقط من صنع "عبودة"... بل من جعل من الفن ملاذًا للكرامة، ومن المسرح محرابًا للحقيقة.