اختر لغتك

وقف إطلاق النار في غزة هل هو انتصار للإنسانية أم محطة جديدة للصراع؟

وقف إطلاق النار في غزة هل هو انتصار للإنسانية أم محطة جديدة للصراع؟

بعد خمسة عشر شهرا من الحرب المدمرة التي خلفت أكثر من 46 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وبعد دمار شامل طال الحجر والبشر، أعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة برعاية أطراف دولية وإقليمية؛ وبين فرحة الشعب الفلسطيني بالهدوء المؤقت وتصاعد الأسئلة حول مستقبل المقاومة ومعادلة الصراع، يطرح تساؤل جوهري هل هذا الاتفاق خطوة نحو الاستقرار أم مجرد هدنة عابرة تمكن أطراف النزاع من إعادة ترتيب أوراقهم؟

مقالات ذات صلة:

الاحتلال الإسرائيلي يهدد مستشفى العودة في غزة بالقصف ويطالب بإخلائه

مظاهرة حاشدة في ستوكهولم تضامنًا مع غزة: إلغاء الاحتفالات برأس السنة

البرد القارس يحصد أرواح الرضّع في غزة: معاناة بلا نهاية في خيام النزوح

الدمار الذي لحق بغزة لم يكن مجرد آثار جانبية لصراع عسكري، بل كان جزءا من استراتيجيات ممنهجة استهدفت سحق الإرادة الفلسطينية وتحطيم البنية التحتية للمقاومة وخلق حالة من اليأس الجماعي؛ ففي هذه المعركة كانت غزة تقاوم ليس فقط القصف العنيف، بل صمتا دوليا مريبا حيث بدا المجتمع الدولي وكأنه شريك ضمني في هذه المأساة عبر تقاعسه عن اتخاذ موقف حاسم إزاء الجرائم المرتكبة.

ومع ذلك، فإن الفلسطينيين خرجوا إلى الشوارع في لحظة الإعلان عن وقف إطلاق النار محتفين ليس فقط بالهدنة، بل بالثبات أمام آلة الحرب الصهيونية؛ تلك الفرحة التي تزامنت مع دخول جرحى جدد إلى المستشفيات تحمل في طياتها رسالة صمود تؤكد أن هذه الأرض التي امتصت دماء أبنائها لن تسلم مستقبلها بسهولة.

بالنسبة لحركة حماس، يمثل الاتفاق مكسبا سياسيا وعسكريا على الرغم من الخسائر البشرية والمادية الهائلة، فإذ استطاعت عبر صمودها أن تحرج قيادة الكيان الصهيوني المغتصب وتدفعها إلى قبول الشروط الأساسية للهدنة وفتح معبر رفح والسماح بسفر الجرحى للعلاج والانسحاب التدريجي لقوات المحتل من مناطق استراتيجية ليست مكاسب عابرة بل إنجازات تحققت في سياقٍ بالغ التعقيد.

أما بالنسبة ب.ن، فإن الاتفاق يأتي في لحظة ضعف سياسي فلقد وجد نفسه محاصرا بالضغوط الداخلية سواء من المعارضة أو من أصوات اليمين المتطرف التي طالبت باستمرار العملية العسكرية حتى "تحقيق النصر الكامل"، بيد أن الثمن الذي دفعه الكيان الصهيوني سواء من حيث الخسائر البشرية في صفوف جنوده كما يزعمون أو تآكل صورته الدولية جعل القبول بوقف إطلاق النار الخيار الأقل سوءا بالنسبة لحكومته.

فالوساطة الدولية التي قادتها قطر ومصر بدعم أمريكي، أثبتت قدرتها على وقف النزيف مؤقتا، لكنها لا تقدم أي ضمانات حقيقية بعدم تكرار العدوان، فالاتفاق لم يتطرق إلى جذور الصراع مثل رفع الحصار عن غزة بشكل كامل أو ضمان احترام حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

وعلى الرغم من أهمية البنود الإنسانية في الاتفاق مثل السماح بإدخال المساعدات وفتح معبر رفح، إلا أن المحتل لطالما تعامل مع مثل هذه الالتزامات كأوراق تفاوضية قابلة للإلغاء أو التعديل وفق مصالحها الأمنية والسياسية، لذا فإن التشكيك في جدية هذه الوساطة يظل حاضرا خاصة في ظل غياب آلية دولية ملزمة تضمن تنفيذ بنود الاتفاق.

العدوان الصهيوني الغاشم الأخير كشف مجددا الوجه الحقيقي للنظام الدولي الذي بدا عاجزا إن لم يكن متواطئا أمام مأساة بحجم الكارثة الإنسانية في غزة، فلقد فضح هذا الصراع ازدواجية المعايير لدى القوى الكبرى التي سارعت في أزمات أخرى إلى فرض عقوبات وتحركات عاجلة بينما اكتفت في الحالة الفلسطينية بإطلاق دعوات خجولة لضبط النفس.

وقف إطلاق النار يمثل بلا شك استراحة للمقاومة الفلسطينية لكنه لا ينهي الصراع، فالقضية الفلسطينية ليست مجرد معركة عسكرية يمكن حسمها بالاتفاقات المؤقتة، بل هي قضية تحرر وطني تحتاج إلى حلول سياسية جذرية.

في نهاية المطاف، يكتب في تاريخ غزة فصل جديد من فصول الصمود حيث انتصرت الإرادة على العدوان ولو مؤقتا؛ ومع ذلك فإن هذا النصر يظل محفوفا بالمخاطر ما لم يترجم إلى خطوات سياسية تضمن حقوق الفلسطينيين وتؤسس لحل شامل ينهي الاحتلال ويحقق العدالة.

رحم الله الشهداء ولتبق ذاكرة الدماء منارة تضيء الطريق نحو الحرية.

آخر الأخبار

مهيب شامخ يعزز صفوف النادي الإفريقي بعقد يمتد إلى 2028

مهيب شامخ يعزز صفوف النادي الإفريقي بعقد يمتد إلى 2028

وزارة الشباب والرياضة تعلن عن حلّ المكتب الجامعي للجامعة التونسية لرفع الأثقال

وزارة الشباب والرياضة تعلن عن حلّ المكتب الجامعي للجامعة التونسية لرفع الأثقال

وقف إطلاق النار في غزة هل هو انتصار للإنسانية أم محطة جديدة للصراع؟

وقف إطلاق النار في غزة هل هو انتصار للإنسانية أم محطة جديدة للصراع؟

براد بيت المزيف: امرأة تخسر 830 ألف يورو وتصبح ضحية تنمّر إلكتروني

براد بيت المزيف: امرأة تخسر 830 ألف يورو وتصبح ضحية تنمّر إلكتروني

إشعاعات تنموية: مشاريع جديدة ومبادرات ريادية نسائية في ولاية سيدي بوزيد

إشعاعات تنموية: مشاريع جديدة ومبادرات ريادية نسائية في ولاية سيدي بوزيد

Please publish modules in offcanvas position.