نظم مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول جمعيات "إفادة" لقاء متميزا تناول موضوعا حيويا يشغل العالم اليوم: الذكاء الاصطناعي، وقد قدم اللقاء من قبل الدكتور ياسين سلامة، الذي ألقى الضوء على هذا المجال المتسارع التطور موضحا أبعاده وتأثيراته المتشعبة وكيف يمكن للجمعيات التفاعل معه بشكل إيجابي لخدمة أهدافها.
مقالات ذات صلة:
الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي: نمو مستمر وتحديات كبيرة
نصائح ذهبيّة للوالدين.. تطبيق أسلوب التربية بالثواب والعقاب بذكاء
الذكاء الاصطناعي يعزز فرص التعليم في تونس والمنطقة العربية عبر "كورسيرا"
يعود ظهور مصطلح "الذكاء الاصطناعي" إلى عام 1956، عندما اجتمع مجموعة من العلماء في مؤتمر علمي في جامعة دارتموث بالولايات المتحدة، كان الهدف حينها هو بناء أنظمة قادرة على محاكاة الذكاء البشري واتخاذ القرارات بناء على تحليل البيانات، ومنذ ذلك الحين شهد هذا المجال قفزات نوعية بدءا من برمجيات بسيطة قادرة على حل المشكلات الرياضية وصولا إلى أنظمة متطورة تستخدم اليوم في مجالات مثل الطب، والتعليم، وإدارة المؤسسات.
ليقدم في سياق ذلك الدكتور سلامة رؤية شاملة حول كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية لخدمة الجمعيات والمجتمع ككل، فهو يوفر حلولا مبتكرة يمكن أن تخفض التكاليف وتزيد الكفاءة، فعلى سبيل المثال يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تنظيم قواعد البيانات الضخمة وتحليلها بسرعة فائقة مما يمكن الجمعيات من اتخاذ قرارات مدروسة بناء على بيانات دقيقة، كما يمكن استخدامه في الحملات التوعوية حيث تعمل الخوارزميات الذكية على استهداف الفئات الأكثر احتياجًا بطريقة فعالة.
ومن الإيجابيات الأخرى قدرته على تعزيز الشفافية، فمن خلال أدوات تحليل البيانات يمكن للجمعيات تتبع أثر المشاريع التي تنفذها وتقديم تقارير دقيقة للجهات المانحة مما يعزز الثقة والمصداقية.
لكن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية خالية من التحديات، فمن أبرز سلبياته احتمال تعميق الفجوة الرقمية بين الجمعيات التي تمتلك الموارد اللازمة لتبنيه وتلك التي تعاني من نقص الإمكانيات، كما أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تهميش الجانب الإنساني في العمل الجمعياتي مما يضعف الروابط العاطفية مع المستفيدين.
ومن التحديات الأخلاقية الأخرى، قضية التحيز في الخوارزميات، فإذا لم تصمم بشكل عادل قد تؤدي إلى نتائج غير متكافئة وممارسات غير عادلة، قعلى سبيل المثال إذا استخدمت خوارزميات تحليل البيانات بشكل غير شفاف فقد يتم استبعاد شرائح معينة من المجتمع من الاستفادة من برامج الجمعيات.
هذا وباعتبار إن الجمعيات مؤسسات تسعى لخدمة المجتمع، تجد في الذكاء الاصطناعي فرصة ذهبية لتحقيق أهدافها بطرق مبتكرة، اذ يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل احتياجات المجتمعات المحلية وتصميم برامج تتناسب مع تلك الاحتياجات، كما انه يمكنها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في جمع التبرعات من خلال استهداف المانحين المحتملين برسائل شخصية مصممة بناء على بياناتهم وسلوكياتهم.
إضافة إلى ذلك، يمكن لهذه التقنيات أن تستخدم في تطوير التدريب الداخلي للفرق العاملة في الجمعيات بما يضمن تحسين الأداء ورفع مستوى الكفاءة.
كذا انه هناك ضرورة ملحة لتطوير الذكاء الاصطناعي في تونس ليواكب التوجهات العالمية ولتحقيق ذلك يجب الاستثمار في التعليم والبحث العلمي لتأهيل الكفاءات الوطنية وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير تطبيقات محلية تخدم احتياجات المجتمع.
كما أن الجمعيات يمكنها لعب دور ريادي في هذا المجال من خلال تنظيم ورش عمل وتدريبات حول الذكاء الاصطناعي وتوعية أفراد المجتمع بفوائده وكيفية استخدامه بطرق مسؤولة.
ولعل أحد المحاور المهمة التي تناولها الدكتور سلامة كان وجوب تقنين استخدام الذكاء الاصطناعي في تونس، فمع التوسع في استخدام هذه التقنيات تصبح الحاجة ملحة لوضع أطر قانونية تحمي المعطيات الشخصية وتضمن أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بطرق أخلاقية ومسؤولة.
ففي غياب قوانين واضحة قد يكون هناك خطر استغلال هذه التقنيات لجمع البيانات الشخصية دون علم الأفراد أو استخدامها بطريقة تضر بحقوقهم، لذلك يجب على الجهات التشريعية وضع قوانين تضمن الشفافية وتحمي خصوصية المواطنين.
ففي عالم أصبحت فيه "البيانات هي النفط الجديد" تبرز مسألة حماية المعطيات الشخصية كواحدة من أهم القضايا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، أصبح هناك ضرورة على أن تكون الجمعيات التونسية واعية بأهمية حماية بيانات المستفيدين خاصة عند استخدام منصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، اذ يجب تشفير البيانات وعدم مشاركتها مع أطراف ثالثة دون موافقة صريحة.
ختاما، الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تقنية بل فرصة لتطوير العمل الجمعياتي في تونس وتعزيز أثره في المجتمع، ومع ذلك فإن النجاح في استغلال هذه الفرصة يعتمد على التوازن بين الابتكار والمسؤولية، اذ يجب على الجمعيات أن تكون سباقة في تبني هذه التقنيات مع الحرص على احترام القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية.
وبهذا فقط يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح أداة للتغيير الإيجابي تدفع الجمعيات نحو تحقيق أهدافها بطرق أكثر كفاءة وابتكارا مع الحفاظ على احترام حقوق الأفراد وحماية بياناتهم.