طرق احتفال الدول الإسلامية بالمولد النبوي الشريف تنوعت وازدانت الشوارع العتيقة بمظاهر الزينة، وعبقت بروائح البخور وأناشيد مدح الرسول الله، وهي مناسبة تتجدد فيها كل سنة اللقاءات والمعايدات وتبادل الهدايا.
الرباط – يحتفل العالم الإسلامي في الـ12 من شهر ربيع الأول من كل سنة هجرية، بذكرى المولد النبوي الشريف. وتختلف طرق إحياء هذه الذكرى من دولة إلى أخرى، وتكتسي خصوصيتها من خصوصية هذه الدولة وتاريخها وتراثها الإسلامي. وفي المغرب، يكون لاحتفالات المولد النبوي أريجا خاصا مستمدا من طابع يمزج بين ثقافات متعددة تتجلى واضحة من خلال تنوع طرق الاحتفال من مدينة إلى أخرى.
في ليلة ذكرى المولد النبوي تحتضن المساجد والزوايا في كافة المدن المغربية حلقات لتلاوة القرآن وترديد الذكر والمدائح. وعادة ما يترأس العاهل المغربي الملك محمد السادس حفلا دينيا بجامع حسان بالرباط حيث تتلى آيات من الذكر الحكيم وتنشد المدائح النبوية.
ولا يقتصر الاحتفال بالمولد النبوي في الرباط على الزينة والمعايدة والشعائر الدينية، حيث اختار العاهل المغربي الملك محمد السادس منذ سنوات أن يضفي على هذه المناسبة بعدا ثقافيا فكريا ويدخل عليها حركية من خلال إرساء جائزة محمد السادس التنويهية التكريمية للفكر والدراسات الإسلامية، التي منحت مناصفة إلى عبدالحي عمراوي من فاس والحسين وكاك من مدينة تزنيت.
وتمنح هذه الجائزة كل سنة كمكافأة للشخصيات العلمية المرموقة، الوطنية والدولية، بغية تشجيعها على إنجاز أبحاث عالية المستوى في مجال الدراسات الإسلامية، وذلك تماشيا مع تعليمات الشريعة السمحة التي تحث على طلب العلم وحسن توظيفه.
ومنحت جائزة محمد السادس التكريمية في فن الخط المغربي لمحمد السرغيني من مدينة فاس، وكانت جائزة محمد السادس للتفوق في فن الخط المغربي من نصيب يوسف البلقي من مدينة القصر الكبير، فيما فاز بالجائزة التكريمية في فن الزخرفة المغربية على الورق لعثمان الساسي من مدينة سلا، وجائزة محمد السادس للتفوق في فن الزخرفة المغربية على الورق لفؤاد أبليلي من مدينة تاونات، والجائزة التكريمية في فن الحروفية لإبراهيم آيت حنين من الدار البيضاء، وجائزة محمد السادس للتفوق في فن الحروفية لعبدالصمد بويسرامن من مدينة مراكش.
وقال الصادق العثماني، داعية مغربي ومدير الشؤون الدينية في اتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل، في تصريح لـ”العرب” إن “الاحتفال بذكرى ولادة الرسول عليه الصلاة والسلام مناسبة لنتدارس ونتذكر جميعا حياته وسيرته وشمائله وعطفه وحبه وحنانه وأخلاقه الكريمة ومعاملته الحسنة مع جميع خلق الله تعالى، حيث عليه السلام جاءنا بالمثل العالية والأخلاق السامية، وحث أمته والناس كافة على التضامن والتكافل الاجتماعي والتعاون في ما بينهم على الخير والبر والتقوى”.
وأضاف مشددا “ما أحوجنا اليوم في عالمنا العربي والإسلامي إلى أن ندرك أبعاد ومعاني الاحتفال بمولده عليه السلام، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وما دامت شوارعنا وأزقتنا وأبواب مساجدنا مكتظة بالمتسولين والمشردين والفقراء واليتامى والمساكين والمرضى والمحتاجين، ستظل هذه الاحتفالات لا روح ولا طعم ولا رائحة زكية فيها، فتعاليم القرآن وتوجيهات وإرشادات خير البرية عليه السلام وجدت لتفعّل وتطبّق على أرضية واقع الحياة، وليست لتتلى في الاحتفالات والمناسبات”.
لكل مدينة تقليد
وتحتفل كل مدينة مغربية بالذكرى حسب طقوسها الخاصة ومنها مدينة سلا قرب الرباط التي تحتفظ بتقاليد موسم الشموع الذي تنظمه كل سنة في هذا الموعد الديني إذ تقام استعراضات الفرق الفولكلورية وتسيير موكب شموع ضخمة يبلغ طول كلّ منها أربعة أمتار وقد تمت صناعتها بطريقة يدوية وهياكل خشبية كبيرة مزينة بالشمع الملون ومتشكلة بأزهار من شموع صغيرة يحملها شباب على أكتافهم ويرتدون جلابيب تقليدية وهم يجوبون بها شوارع المدينة احتفالا بذكرى المولد.
وترافق الموكب فرق غنائية تراثية مثل عيساوة وحمادشة وكناوة، ليجوب الجميع العديد من شوارع المدينة إلى أن يصل الموكب إلى ضريح مولاي عبدالله بن حسون، وهو أحد شيوخ المدينة القدامى، ويتابع الموكب جمهور غفير من مختلف الأعمار والفئات. وتختلف شموع موسم مولاي عبدالله بن حسون عن الشموع العادية الخاصة بالإنارة، باعتبار صنع هياكلها من خشب سميك على شكل مآذن المساجد مكسو بالورق الأبيض والمزين بأزهار الشمع ذات الألوان المتنوعة من أبيض وأحمر وأخضر وأصفر في شكل هندسي شبيه بشهد النحل يعتمد على الفن الإسلامي البديع.
وموسم الشموع تنفرد به مدينة سلا وقد استمر على مدى 500 سنة مضت فهو تقليد سنوي يشهد على التنوع الثقافي الذي تزخر به المملكة المغربية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، ويدخل موسم الشموع بطقوسه واحتفالياته ضمن الموروث الأصيل للمدينة التي تقع على ضفة وادي أبي رقراق الذي يفصل سلا عن العاصمة الرباط. وفي كلمة بمناسبة اختتام الموسم لهذه السنة٬ أكد عبدالمجيد الحسوني٬ نقيب الشرفاء الحسونيين٬ على ضرورة تعميق الوعي التراثي بين الجماهير وإشاعته في المجتمع المغربي وتقوية الصلة بين المواطن وتراثه ليقوم عن قناعة بصيانته والمحافظة عليه٬ مبرزا أن الزاوية الحسونية تساهم في الجهود الوطنية الهادفة إلى نشر الوعي بأهمية المحافظة على التراث والموروث الثقافي والطبيعي خدمة للأجيال القادمة.
ويعود أصل موكب الشموع إلى عهد ملك السلالة السعدية، أحمد المنصور الذهبي الذي تأثر٬ خلال زيارته إلى إسطنبول٬ بالحفلات التي كانت تنظم بمناسبة المولد النبوي الشريف٬ فأعجب خاصة باستعراض الشموع.
وعلى المستوى التجاري بمناسبة ذكرى عيد المولد النبوي قال محمد الكميري، بائع الفواكه الجافة بمدينة فاس لـ”العرب”، إن “الحركة التجارية بهذه المناسبة تعرف انتعاشة جيدة فالمواطنون لا يزالون محافظين على تقاليد الأجداد بالاحتفال بهذه المناسبة العظيمة، إذ يقتنون اللوز والتمور بأنواعها بكميات لا بأس بها، فهذه المواد ضرورية على مائدة الاحتفال الصباحية بهذه الذكرى العظيمة عند المغاربة”.
أما عبد العزيز بائع الحلويات والفطائر فقد أكد لـ”العرب”، إن “الكميات التي تستهلك في هذه المناسبة كبيرة فالكعك بجميع أنواعه مطلوب ويوصوننا عليه قبل يومين حتى نوفر لهم الكمية المطلوبة، فجل العائلات لم تعد تقوم بأعداد الحلويات في المنازل لاعتبارات متعددة منها ضيق الوقت حيث إن ربات البيوت خرجن إلى سوق العمل ولم يعد في استطاعتهن القيام بهذه المهمة التي تتطلب مجهودا ووقتا”.
حركية تجارية
حتى بائع الأبخرة والعطور تجد عند باب متجره حركية واضحة وقال لنا يوسف إن “الناس يجدون في هذه المناسبة فرصة لاقتناء البخور والعطور الطيبة، وهو تقليد عند بعض العائلات المغربية حيث يقدمون هدايا من هذه المنتوجات التي نوفرها لهم كل حسب قدرته المادية”.
وتجتمع العائلات المغربية للاحتفال ليلة ويوم المولد حيث يصلون الرحم ويفرحون ويقدمون الهدايا ويجتمعون على موائد الأكل والحلويات ويتبادلون التحيات، وتلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورا مهما في هذه المناسبة حيث أضحت وسيلة فعالة لإرسال التهنئة خصوصا بين الأهل الذين لا يستطيعون التواجد بنفس المكان بسبب البعد الجغرافي، وهناك من يقوم بالتواصل عبر تطبيق الواتساب صوتا وصورة لتقريب أجواء الاحتفال من الأهل خارج المغرب.
محمد بن امحمد العلوي / صحافي مغربي