في حادثة مؤسفة، نقل عن معلمة لتلاميذ السنة الخامسة في مادة التربية الإسلامية قولها بأن من يتوفى أحد والديه في سن مبكرة يعاقبه الله، وهي رسالة غير دقيقة وخاطئة دينياً وتربوياً. هذه العبارة تثير قلقًا كبيرًا، إذ أنها تمثل إخفاقًا تربويًا وأخلاقيًا من شأنه أن يترك آثارًا نفسية خطيرة على الأطفال.
مقالات ذات صلة:
وزير التربية يؤكد التزامه بتحسين ظروف عمل المدرسين بمناسبة اليوم العالمي للمدرسين
التربية الإيجابيّة.. كيف توازن بين الاحترام والحزم في تنشئة طفلك؟
الخطأ الديني في الرسالة:
أولاً، من الناحية العقائدية، لا يوجد في الإسلام أي نص أو تعاليم تشير إلى أن فقدان أحد الوالدين هو شكل من أشكال العقاب الإلهي. على العكس من ذلك، الإسلام يتحدث عن الابتلاءات كاختبارات للإيمان والصبر، ويؤكد على أن البلاء قد يكون دافعًا للتقرب من الله وتحصيل الأجر. في القرآن الكريم، يقول الله تعالى: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" (البقرة: 155-156)، وهذه الآية تدعو إلى الصبر والثقة في رحمة الله عند المصائب، وليس إلى ربطها بالعقاب.
الأثر النفسي على الأطفال:
هذه العبارة الخاطئة قد تخلق حالة من الشعور بالذنب والاضطراب لدى التلاميذ الذين قد يكونون قد فقدوا أحد والديهم، مما قد يؤدي إلى تأثيرات نفسية سلبية طويلة الأمد. فالأطفال في هذه المرحلة العمرية لا يمتلكون بعد القدرة الكاملة على التمييز بين المجاز والحقيقة، وأي رسالة خاطئة يتم توجيهها إليهم حول علاقة الله بهم قد تترك أثراً مدمراً على مشاعرهم وثقتهم بأنفسهم. فكرة أن الله يعاقبهم بسبب فقدانهم لأحد والديهم قد تُعزز فيهم إحساسًا بالذنب والعار غير المبرر.
المسؤولية التربوية:
المعلمون هم نماذج للمعرفة والحكمة، ودورهم يتجاوز مجرد تقديم المعلومات إلى بناء الشخصية والمفاهيم الدينية الصحيحة لدى الأطفال. يتعين عليهم استخدام الدين كأداة لبث القيم الإيجابية مثل التسامح، الرحمة، والتضامن. تقديم صورة خاطئة عن الدين، خاصة للأطفال، يفتح الباب للتفسيرات المغلوطة التي قد تؤدي إلى فقدان التوازن النفسي والديني لديهم.
المعلمون مطالبون بإظهار الحساسية الكبيرة عند الحديث عن المفاهيم الدينية التي تتعلق بالأقدار والابتلاءات، خاصة مع فئة عمرية تتسم بالهشاشة النفسية. بل على العكس، يجب أن يكون دورهم هو التخفيف من مشاعر الحزن أو الخسارة، وتقديم صورة إيجابية عن الحياة والمصير، وفق ما يمليه عليهم واجبهم الإنساني والتربوي.
دور الأسرة والمدرسة:
الأسرة والمدرسة عليهما دور رئيسي في إعادة تصحيح مثل هذه المفاهيم الخاطئة إذا ما ظهرت، وتوضيح أن الموت جزء طبيعي من الحياة، وأنه لا يعكس أي نوع من العقوبة أو الإدانة الإلهية. من المهم أن يتم فتح حوار مع الأطفال حول مفاهيم الابتلاء والرحمة الإلهية بطريقة تتناسب مع مستوياتهم الذهنية والعاطفية.
الحاجة إلى التكوين المهني السليم:
هذه الحادثة تسلط الضوء على ضرورة توفير تكوين تربوي ديني دقيق للمعلمين، حيث لا يجب أن يكونوا مجرد ناقلين لمعلومات تلقوها بشكل عابر، بل يجب أن يكونوا ملمين بالجوانب النفسية والاجتماعية لمهنتهم. كما يجب أن يتلقوا تدريبات في كيفية التعامل مع الأطفال في مواقف حساسة كهذه.
مثل هذا الخطأ لا يعكس فقط سوء فهم فردي للمعتقدات الدينية، بل يعكس مشكلة أعمق في كيفية استخدام الدين في التربية. يتعين على المعلمين أن يدركوا مدى تأثير كلماتهم على الأطفال، وأن يتحملوا المسؤولية الكاملة في نقل الرسائل الدينية بدقة ووعي، ليكونوا داعمين وموجهين نحو الخير والسلام الداخلي، بدلاً من زرع الخوف والاضطراب.