العنف ضد المرأة ليس مجرد مشكلة فردية أو ظرفية، بل هو تحد عالمي يعكس اختلالات عميقة في بنية المجتمعات، ففي 25 نوفمبر من كل عام، يجتمع العالم لإحياء اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، بهدف توحيد الجهود لمواجهة هذه الظاهرة التي تمثل انتهاكا صارخا للكرامة الإنسانية، لكن عندما ننتقل للحديث عن المرأة الفلسطينية، فإن القضية تصبح أكثر تعقيدا، حيث تتداخل التحديات الاجتماعية والثقافية مع الاحتلال الغاشم الذي يضيف طبقات جديدة من القهر والمعاناة؛ لذا، فإن فهم معاناة النساء الفلسطينيات في هذا السياق يتطلب النظر إلى العنف كظاهرة متعددة الجوانب، تتجاوز الحدود الفردية لتلامس القضايا الأكبر.
مقالات ذات صلة:
العنف ضد النساء الفلسطينيات: إبادة جماعية صامتة
من معاناة إلى تحدي: نساء فلسطين في ظل الاحتلال - عيد المرأة 2024
مؤتمر "نقاوم نتقاطع نتضامن": التضامن مع النساء الفلسطينيات وتأكيد على النسوية التقاطعية
يعد العنف ضد المرأة كانعكاس لعدم المساواة التي تعاني منها النساء في مختلف أنحاء العالم، هذه الحقيقة لا تقتصر على بقعة جغرافية واحدة، بل تمتد لتشمل كل المجتمعات على اختلاف مستوياتها الاقتصادية والثقافية، ومع ذلك فإن أشكال العنف تختلف من مكان إلى آخر؛ ففي بعض الدول، يتمثل العنف في التمييز الاقتصادي أو التحرش الجنسي، بينما يظهر في أماكن أخرى على شكل عنف أسري أو زواج قسري؛ وعلى الرغم من هذا التنوع، فإن الآثار النفسية والجسدية للعنف تظل واحدة، حيث تقوض قدرة المرأة على العيش بكرامة وممارسة حقوقها الأساسية.
إذا كان العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية، فإن النساء الفلسطينيات يعشن وضعا فريدا ومعقدا يجمع بين التحديات الاجتماعية والظروف السياسية القاسية، فالاحتلال بما يحمله من سياسات قمعية مثل الحواجز، الاعتقالات التعسفية، وهدم المنازل، يشكل مصدرا رئيسيا للعنف ضد الفلسطينيين عموما، والنساء بشكل خاص، هذا العنف الخارجي يتشابك مع العنف المجتمعي والأسري، مما يجعل المرأة الفلسطينية محاصرة بين قهر الاحتلال وظلم بعض الأعراف المجتمعية؛ وهنا يصبح من المهم النظر إلى العنف ضد المرأة الفلسطينية كجزء من النضال الأوسع من أجل التحرر والعدالة.
حملة الـ 16 يوما من النشاط ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي هي دعوة عالمية للعمل تبدأ في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة وتستمر حتى يوم حقوق الإنسان في 10 ديسمبر، تهدف هذه الحملة إلى زيادة الوعي بالعنف ضد النساء والفتيات، وتحفيز الجهود المبذولة لمكافحته، سواء على المستوى القانوني أو الاجتماعي، لكن ما يجعل هذه الحملة أكثر أهمية هو قدرتها على تسليط الضوء على السياقات المحلية للعنف، مما يمكن المجتمعات من اتخاذ خطوات عملية تتناسب مع احتياجاتها.
في السياق الفلسطيني، تشكل حملة الـ 16 يوما فرصة حيوية لتسليط الضوء على معاناة النساء الفلسطينيات في ظل الاحتلال والعنف المجتمعي؛ المنظمات النسوية الفلسطينية، بالتعاون مع المنظمات الدولية، تستخدم هذه الحملة كمنصة لإبراز الانتهاكات التي تواجهها النساء، سواء كانت نتيجة للاحتلال أو نتيجة للعنف الأسري، ومن خلال النشاطات المختلفة التي تقام خلال هذه الحملة، يتم تعزيز التوعية حول حقوق المرأة وأهمية حمايتها، مع التركيز على ضرورة إيجاد حلول عملية لمواجهة التحديات.
الاحتلال يشكل واقعا يوميا مليئا بالتحديات للنساء الفلسطينيات، الأم الفلسطينية التي تجبر على الانتظار لساعات طويلة عند الحواجز العسكرية، الطالبة التي تمنع من الوصول إلى جامعتها، والشابة التي تعتقل دون أي تهمة واضحة، جميعهن يعشن ظروفا قاسية تعكس مستوى العنف الممنهج الذي يمارسه الاحتلال، هذا العنف لا يقتصر على الجانب الجسدي فقط، بل يمتد ليشمل التأثير النفسي والاقتصادي الذي يتركه الاحتلال على حياة النساء، مما يزيد من معاناتهن اليومية.
بينما تواجه النساء الفلسطينيات عنف الاحتلال، فإنهن يواجهن أيضا معركة داخلية تتعلق بالعنف المجتمعي والأسري، العادات والتقاليد التي تفرض قيودا على حرية المرأة، بالإضافة إلى غياب قوانين فعالة تحميها، تجعل من الصعب على الكثير من النساء التعبير عن معاناتهن أو البحث عن حلول؛ ومع ذلك، فإن هذه التحديات لا تقلل من قوة المرأة الفلسطينية أو قدرتها على مواجهة هذه الظروف، بل على العكس، فإن قصص النجاح التي تحققها العديد من النساء الفلسطينيات تثبت أن الإرادة والتصميم يمكنهما التغلب على أصعب الظروف.
أولى خطوات مواجهة العنف ضد المرأة تبدأ من التوعية، تعزيز الوعي بحقوق المرأة وأهمية المساواة بين الجنسين هو المفتاح لتغيير السلوكيات والمواقف التي تعزز العنف، ففي فلسطين، تلعب المنظمات النسوية دورا حيويا في نشر الوعي داخل المجتمع، من خلال حملات التثقيف وورش العمل التي تستهدف النساء والرجال على حد سواء.
كذا تعد القوانين الأداة الأكثر فعالية لحماية النساء من العنف؛ في فلسطين، يتطلب الأمر تطوير منظومة قانونية شاملة تضمن حقوق المرأة وتحميها من جميع أشكال العنف، هذا يشمل تعديل القوانين القائمة التي قد تكون غير كافية أو متحيزة، وضمان تطبيقها بشكل عادل وفعال.
القضاء على العنف ضد المرأة يتطلب جهدا جماعيا يتجاوز حدود الحكومات والمؤسسات، فالتضامن مع النساء الفلسطينيات، سواء من خلال الدعم النفسي أو المادي، هو خطوة أساسية لتحقيق التغيير، كما أن العمل الجماعي بين الأفراد، المنظمات، والمجتمعات المحلية يمكن أن يخلق قوة دافعة للتغيير.
كما ان المرأة الفلسطينية ليست مجرد ضحية للعنف، بل هي رمز للصمود والإرادة، من الأم التي تربي أطفالها في ظروف قاسية، إلى الفتاة التي تُدافع عن حقها في التعليم رغم العقبات، كل قصة تحمل في طياتها درسًا في القوة والأمل.
إلى جانب مواجهة الاحتلال، تسعى النساء الفلسطينيات للحصول على حقوقهن داخل المجتمع، فقصص النجاح الفردية التي تحققها بعض النساء الفلسطينيات تُظهر أن التغيير ممكن عندما تتوفر الإرادة والفرص.
القضاء على العنف ضد المرأة يتطلب بناء مجتمع يقوم على المساواة والاحترام، هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تعزيز التعليم، وتغيير الصور النمطية التي تُقلل من دور المرأة، وتوفير الفرص التي تساعدها على تحقيق ذاتها.
الإعلام والمجتمع المدني لهما دور حاسم في دفع عجلة التغيير، ومن خلال تسليط الضوء على قصص النساء ومعاناتهن، يمكن للإعلام أن يلهم المجتمعات لاتخاذ خطوات فعلية نحو القضاء على العنف؛ في الوقت نفسه، يمكن لمنظمات المجتمع المدني تقديم الدعم المباشر للنساء الناجيات من العنف.
اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة هو فرصة لتجديد الالتزام بمواجهة هذه الظاهرة التي تعيق تقدم الإنسانية؛ فنساء فلسطين بصمودهن ونضالهن اليومي، يذكرن العالم كل يوم بأن تحقيق العدالة والمساواة ليس مجرد شعار، بل هو واجب أخلاقي يتطلب منا جميعا العمل الجاد، لنجعل هذا اليوم بداية جديدة نعمل فيها معا لإنهاء جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات، ليس فقط في فلسطين، بل في كل مكان.