قدّم الفنان والمخرج المسرحي التونسي يحيى الفايدي مسرحية "مُستوَجْ"، مستوحاة من مسرحية "في أعالي البحار" للكاتب البولوني سلافومير مروجيك، لتصبح مرآة للواقع السياسي التونسي بعد ثورة 17 ديسمبر 2010. ويُعدّ هذا العمل نقدًا عميقًا لتداعيات الحياة السياسية التونسية التي شهدت تفاقمًا في العمل الحزبي والسياسي مقابل غياب الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية.
مقالات ذات صلة:
يحي الفايدي: رحلة الشاب الذي ألهم الفن وحفر اسمه في تاريخ المسرح
الأستاذ يحيى الفايدي يتوج بجائزة أفضل ممثل في المهرجان الوطني للمسرح التونسي
رمزية البحر وعبثية الانتخابات
تدور أحداث "مُستوَجْ" على طوافة عائمة في البحر بعد غرق سفينة، حيث تجد الشخصيات الثلاث نفسها تواجه جوعًا قاسيًا. وسط هذا المأزق، تلجأ الشخصيات إلى محادثات عبثية، تحاول خلالها تقرير من سيُضحى به ليكون غذاءً للبقية. بأسلوب ساخر، يعكس الفايدي هذا التفاوض على التضحية كما لو أنه عملية سياسية متكررة، حيث الانتخابات تُستخدم لتحديد "الضحية" بطريقة ساخرة ترمز إلى التلاعب بالديمقراطية.
كثرة الكلام وغياب الفعل
اعتمد الفايدي على أسلوب "العبث"، حيث الحوار مطوّل وزاخر بالكلمات، لكن دون قرارات حقيقية أو حلول ملموسة. عنوان المسرحية "مُستوَجْ" يعكس جوهرها؛ فالكلمة الدارجة باللهجة التونسية تشير إلى كثرة الكلام الفارغ، وهو ما يُزعج المتلقي ويصوّر الشخصيات السياسية بعد الثورة، التي غالبًا ما تفتقر إلى القرارات الفعلية لتحسين واقع الشعب.
نقد سياسي ساخر
تكشف المسرحية عن واقع السياسة في تونس، حيث تتلاعب الشخصيات الضعيفة والمتشبثة بالبقاء بوسائل عبثية، كما يفعل السياسيون الذين يخوضون حروب السلطة عبر وعود واهية ومفاوضات تُدير ظهرها لمطالب الشعب. إنها دعوة للتفكير في أزمة القيم والأخلاق، التي تبرز في الأزمات حيث تُهمَّش الحلقة الأضعف، تمامًا كما تهمّش الطبقات الكادحة وسط جشع السلطة.
الإضحاك والسخرية السوداء
تستخدم المسرحية الإضحاك بطريقة تجمع بين السخرية السوداء والهزلية، حيث ظهرت الشخصيات بملابس بحرية تشبه زيّ المهرّجين، لتمثيل تناقضاتها وعبثها. ساهمت هذه السخرية في تعزيز الطابع المأساوي، حيث انعكس الوجه القبيح للإنسانية في تضحية مستمرة بالفئات الأضعف دون حلول عملية.
"مُستوَجْ": انعكاس الانهيار الأخلاقي
استطاع يحيى الفايدي أن يصوغ من هذا العمل الفني نقدًا قاسيًا للسياسة التونسية وأزمة القيم في المجتمع. فقد قدّم عملًا يسبر أغوار الواقع السياسي بعد الثورة، كاشفًا عن تهميش المواطن البسيط وتحويله إلى ضحية لمصالح السلطة، ومرآة للانحدار الأخلاقي الذي يحدث حينما تتحول السياسة إلى لعبة عبثية يتآمر فيها القوي على الضعيف.